من حرق رايتنا فقد حرق قلوبنا

د.خالد الطراولي
[رئيس حركة اللقــاء]
[رئيس حركة اللقــاء]
لم أكن أتوقع يوما أن أرى بأم عيني وعلى أرض بلدي وأرض أجدادي تونسيا يتجرأ على حرق راية البلاد الرمز العالي للوطن...
لم يدر بخلدي أبدا أن تفرز الثورة المجيدة انحرافات بمثل هذا

أيام المعارضة والمنفى كنا نميز بين تونس الأرض والوطن ورايتها الحمراء الخفاقة، وبين نظام مستبد وجائر وعصابة مفسدين، وكانت راية تونس تصطحب الجميع في الشارع وتعود إلى مأواها في البيت في أعلى المنازل والبقاع..
لا أشك لحظة أن هذه الحركة الشاذة والمنحرفة لا تعبر عن محبة التونسيين لهذه الأرض الطيبة ورايتها العالية، هذه الراية التي سقط من أجل رفعتها شهداء كثيرون، وسالت من اجلها الدماء الطاهرة، ولكن لا يمكن أن نعتبر ما حدث سهل الاستساغة، والمرور عليه مرّ الكرام!
إن راية تونس جزء منا، جزء من حاضرنا ومستقبلنا، ومن اعتدى عليها فقد اعتدى على كل تونس بكل توجهاتها وتعبيراتها...ولا مكان، عند هذا الموقف المبتذل، للتوظيف أو الحسابات السياسية ولكن هي وقفة شعب بأسره ضد هذا السقوط المفزع والزيغ المقرف.
لن نقف مشدوهين فلكل حادث حديث ولكل حالة، ولو شاذة، أسبابها العميقة ولا يجب استصغارها، فالحرائق الهائلة من صغير الشرر:
* إن هناك ولا شك سقوطا أخلاقيا وترهلا قيميا ضرب الممارسة في كل مناحيها، ومنها هذا البعد الوطني الممثل في راية البلاد ورمزها العالي.
* إن هناك ترهلا وطنيا وزعزعة للحس الوطني عند البعض يعود أساسا إلى ثقافة المواطنة التي اهتز بنيانها عند البعض، وهذا ثمرة غير طيبة لما فعله الاستبداد وغرسه في أوصالنا حيث نجح في ضرب النفس الوطني عند البعض بمفاسده واعتداءاته وجوره، ولكنه أيضا وليد مرحلة انتقالية مضطربة وغير واضحة المعالم، لا نعرف تجلياتها الأخلاقية و لا ممارساتها القيمية، حيث شاهدنا عند بعض النخب وأصحاب الشأن و المواقع، خللا في الممارسة والتصورات، فسقط النموذج وتبعته الأركان والتوابع.
* إن هناك ارتعاشا في مستوى الحزم والحسم تجاه هيبة الدولة ورموز البلاد ومقدساتها وأمنها واستقرارها وعلوية القانون، مما جرأ الانحراف والزيغ ان يتبلور ويبرز أمام الملأ بوجهه العابس والخبيث.
الثورة مرت من هنا ولكنها لم تكتمل، وعند البعض لم تبدأ، ولكنها ولا شك تنقصها ثورة ثقافية قيمية وأخلاقية لم تقع وللأسف، ولعلها هي البوابة السليمة لاستكمال ما نقص واسترجاع ما ضاع وينام الشهيد في مرقده نوم الرضا.
Comments
10 de 10 commentaires pour l'article 63603