تحصين الثورة أم تحصين الترويكا

بقلم الأستاذ بولبابة سالم
بالأمس ناقشت لجنة التشريع العام بالمجلس الوطني التأسيسي مشروع قانون تحصين الثورة الذي تقدّمت به حركة النهضة و حركة وفاء و المؤتمر من أجل الجمهورية . يهدف هذا القانون إلى منع كل من عمل مع النظام السابق من يوم 8 نوفمبر 1987 إلى 14 جانفي 2011 من الترشّح إلى الإنتخابات القادمة وسط تباين الآراء حول المدّة الزمنية التي سينتهي بها مفعول هذا القرار.
بالأمس ناقشت لجنة التشريع العام بالمجلس الوطني التأسيسي مشروع قانون تحصين الثورة الذي تقدّمت به حركة النهضة و حركة وفاء و المؤتمر من أجل الجمهورية . يهدف هذا القانون إلى منع كل من عمل مع النظام السابق من يوم 8 نوفمبر 1987 إلى 14 جانفي 2011 من الترشّح إلى الإنتخابات القادمة وسط تباين الآراء حول المدّة الزمنية التي سينتهي بها مفعول هذا القرار.
وجد هذا المشروع معارضة شديدة من أغلب الكتل داخل المجلس الوطني التأسيسي لأسباب عديدة , البعض يرى أن العدالة الإنتقالية وحدها هي المخوّلة للنظر في الأمر و تحديد المسؤوليات حول من ارتكب تجاوزات خلال الحقبة النوفمبرية , وآخرون يرون القضاء هو الإطار الأسلم لتدارس هذا الملف المثير للجدل , لكن الرأي الأصوب باعتقادي هو الذي طرحه الأستاذ قيس سعيد الذي بيّن أنّ الشعب وحده هو المُخوّل للمعاقبة و الحكم على من عمل في النظام السابق عن طريق الإنتخابات و اقترح أن يكون الإنتخاب على الأفراد لا على القوائم حتّى لا يحصل ما حصل في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي . من يقصي من ؟ و السّؤال الأهم : لماذا الآن ؟ و لصالح من توتير الأجواء السياسية التي شهدت هدوءا في الفترة الأخيرة ؟

لا أحد ينكر أنّ حلّ التجمع الدستوري الديمقراطي كان مطلبا شعبيا بعد الثورة باعتباره جهازا استعمله بن علي لإحكام قبضته على البلاد وهو لم يكن حزبا بالمعني التقليدي للأحزاب . لكن لماذا اختارت النهضة و حلفاؤها هذا التوقيت لتفعيل قانون تحصين الثورة و لم يكن الأمر في بداية عمل المجلس الوطني التأسيسي ؟ الجواب بسيط جدا فقد برز حزب نداء تونس كقوّة جديدة في الساحة السياسية و التفّت حوله مجموعة من الأحزاب كالحزب الجمهوري و المسار الديمقراطي الإجتماعي إضافة إلى الحزب الإشتراكي و حزب العمل الوطني الديمقراطي , و شكّلت استطلاعات الرأي الأخيرة التي جعلته في منافسة جدّية لحركة النهضة مصدر إزعاج للترويكا و خصوصا لحركة النهضة . فلأوّل مرّة تجد النهضة منافسا جدّيا قد يغيّر الخارطة السياسية في البلاد في الإنتخابات القادمة. إنّ الأمر يتعلّق بإقصاء منافس قادر على استقطاب رصيد كبير من العائلة الدستورية و التجمّعية إضافة إلى وجود السيد الباجي قايد السبسي كشخصيّة اعتبارية و رمزية تمتلك القدرة على الخطاب السياسي . من الغباء أن يدّعي البعض أن الأمر يتعلّق بتحصين الثورة من أزلام النظام القديم و نحن على بعد أشهر قليلة من الإنتخابات الحاسمة في نهاية العام . إنّه تحصين للترويكا كما قال السيد حمة الهمامي رغم اختلافه الجذري و العميق مع نداء تونس و قال أن التقارب مع هذا الحزب أمر مستحيل بسبب تباين البرامج الإقتصادية و الإجتماعية بل هم أقرب للنهضة على هذين المستويين . لقد بدت العائلة الدستورية أو في جزء منها كحزب المبادرة الذي يترأسه السيد كمال مرجان منحازة إلى المصلحة الوطنية فقد ساند أعضاؤها تزكية حكومة السيد علي العريض داخل المجلس الوطني التأسيسي و البعض تحدّث عن محادثات في الكواليس بين أطراف من النهضة و حزب المبادرة قبل التصويت , فهل تقع مكافأتهم بالإقصاء ؟ و أكثر من ذلك فهل كل من عمل في أجهزة الدولة لأكثر من عقدين مدان بسبب تجاوزات فئة انتهازية سيتولّى القضاء محاسبتها؟ لقد جمع بن علي الإنتهازيين و الفاسدين و لكنّه استقطب بعض الكفاءات العلمية التي اختار بعضها محاولة الإصلاح من الدّاخل لكنّهم لم يقدروا على منع تيّار الفساد الجارف . يجب أن تكون تونس الثورة للجميع دون إقصاء و الشعب الذي ذاق طعم الحريّة لن يقبل بعودة الإستبداد مهما كان الغطاء الذي يتدثّره , و لنا في تجربة جنوب إفريقيا درس و عبرة . أتركوا حساباتكم الإنتخابية و لا تكونوا أوصياء على الثّورة فلها شعب يحميها , فالديمقراطية لا تبنى إلاّ بوجود قوى حقيقية متنافسة تتداول على السلطة, و التونسيون أذكياء بالفطرة و سيختارون الأنسب لهذا الوطن.
كاتب و محلل سياسي
Comments
32 de 32 commentaires pour l'article 62551