الباجى قائد السبسي من الإعتراف بشرعية الصندوق إلى الإيمان بشرعية التابوت

حسان لوكيل
لا يخفى على أحد أن وزيرنا الأول السابق المبجل الباجى قائد السبسي كان في الماضى القريب يذكّرنا باستمرار أنّه أول رئيس وزراء في تاريخ تونس و ربما في تاريخ الدول العربية سلّم السلطة إلى حكومة منتخبة شرعيا .
لا يخفى على أحد أن وزيرنا الأول السابق المبجل الباجى قائد السبسي كان في الماضى القريب يذكّرنا باستمرار أنّه أول رئيس وزراء في تاريخ تونس و ربما في تاريخ الدول العربية سلّم السلطة إلى حكومة منتخبة شرعيا .
الباجى في فترة حكمه فرض على أعضاء حكومته العمل معه دون التفكير آنذاك في الترشّح لانتخابات 23 أكتوبر حتى أنه صرّح بأنه هو أيضا لا يفكّر أبدا في الترشح و وعد بالإبتعاد عن الحياة السياسية تماما بعد تسلّم حكومة جديدة مقاليد الحكم .
و كان بذلك نموذجا في الحياد و نجح إلى حدّ ما في إبعاد الأحزاب عن السياسة و دواليب الدولة و أغرقها في التفكير في الإنتخابات و الحملات الانتخابية ثم سلّم الأطراف الفائزة بعد أن شكّلت حكومتها مقاليد الحكم معترفا بشرعية الصندوق و مطأطئا رأسه خضوعا و انحناء لنتائج صناديق الإقتراع التى جسّدت إرادة الشعب و اختياره .
السبسي على خلاف بعض الأحزاب التى لم تستوعب نتائج الانتخابات و لم تتقبّلها و منحت نفسها صفة المعارضة نظم أجمل الكلام عن الشرعية و الديمقراطية و التداول السلمي على السلطة .
غير أن ذلك لم يدم كثيرا فبعد شهر واحد من تسلّم الحكومة مهامها في أواخر ديسمبر 2011 و بعد أن كان من المنتظر أن يبتعد عن الحياة السياسية اصدر قائد السبسي بيانه الشهير الذى اتهم فيه المجلس التأسيسي بإضاعة الوقت و الأطراف الحاكمة باقتسام المناصب .
منذ ذلك الوقت بدأ الحديث عن فشل الأطراف الحاكمة و التشكيك في شرعيتها و أحقيتها بالحكم و مثّل ذلك نقطة التقاء بين الأحزاب التى عارضت الحكومة و الباجى قائد السبسي وفريقه الحكومي الذي بقي مجتمعا حوله حتى بعد انتهاء مهامه .
لسبب ما كانتالأصوات المعارضة و الانتقادات للحكومة أقوى من صوت الأطراف الحاكمة و مقومات فشل هذه الأخيرة كان في مجال نظر الجميع على خلاف مقومات نجاحها .
جزء كبير من وسائل الإعلام لعبت دورها خاصة بعد تشكّل حزب نداء تونس بزعامة السبسي في أن تغرس في الأذهان أن الأطراف الحاكمة فشلت في الحكم و أن عهد بن علي أفضل من هذا العهد الذي تقوده حكومة على رأسها حركة النهضة الإسلامية و بدأت أصوات من هنا وهناك تنادى بإسقاط هذه الحكومة .

الحكومة لم تسقط رغم المحاولات الكثيرة لتأليب الرأي العام ضدّها و تحويل المسيرات السلمية إلى عمليات تخريب و حرق و نهب .
و كانت مبادرة اتحاد الشغل يوم 16 أكتوبر 2012 للحوار الوطني محاولة واضحة تحرّكها خيوط السياسة لإجبار الترويكا على الجلوس إلى جانب أحزاب لا تمثل شيئا في البورصة الشعبية و سحب البساط من تحت أقدام المجلس التأسيسي .
باختصار تعدّدت الأحداث و الحوادث و كانت حتى الصغيرة منها تُستغل سياسيا في محاولة لقلب المعادلة و اجبار الترويكا على التخلى عن شرعيتها تحت شعار الوفاق الوطني و التوافق .
آخر هذه الأحداث حادثة اغتيال شكرى بلعيد التى و لئن مثلت فرصة لتجميع أبناء الشعب الواحد فقد وقع استغلالها للمطالبة بإسقاط الحكومة و حل المجلس التأسيسي .
قد لا يلقي أحد بالا لمطلب كهذا إذا صدر عن شخص لا ثقافة سياسية وقانونية له لكن أن يصدر عن رجل قانون وسياسة فهو أمر خطير .
فالباجى قائد السبسي اعتبر أن التونسيين الذين خرجوا لحمل تابوت شكري بلعيد و تشييع جثمانه إلى مثواه الأخير خرجوا بالآلاف للتصويت ضد الحكومة و الترويكا و المجلس التأسيسي و طالب على هذا الأساس بحل المجلس و اعتبر أن شرعية الحكومة منتهية .
الباجى قائد السبسي الذي يكبر بسنة واحدة البابا بينيدكت السادس عشر الذي يعتزم تقديم إستقالته لتقدمه في السن لم يعد يؤمن بالشرعية الإنتخابية بل أصبح يؤمن بالشرعية الجنائزية أو بالأحرى هو لم يعد يعترف بشرعية الصندوق بل أصبح يؤمن بشرعية التابوت إذ يبدو أنه يعتقد أن الشرعية لا تنبثق عن الأصوات في الصندوق بل عن الأصوات التى تحمل التابوت و التى روّج البعض بطريقة خرافية إلى أنها وصلت إلى مليون و 400 ألف .
أجمل رد للباجى قائد السبسي جاء على لسان نجيب الشابى الذي قال إن التونسيين لم يخرجوا في جنازة شكرى بلعيد للتصويت و أكّد أن من رفعوا شعارات سياسية في الجنازة لا يمثلون جزء كبيرا من الشعب التونسي الذي شارك فيها حزنا على فقيد الوطن دون أن يحمل مواقف سياسية من أي طرف .
Comments
22 de 22 commentaires pour l'article 60457