القشّة التي قصمت ظهر الترويكا

محمد يوسف
ناشط ومحلل سياسي
ناشط ومحلل سياسي
لقد طغى الارتهان للحسابات المشوبة بدفع التفاؤل للامام قبل وبعيد الانتخابات خاصة , عندما اعتبرت الترويكا هدفا بحدّ ذاته .ان التحالف بين الاطراف الثلاثة كان مجرد خلطة براقماتية سريعة تسهّل هضم الاطراف الدولية للانتقال الديمقراطي .هي وجبة سريعة fast- food خالية من شروط حفظ الصحة تم اعتمادها لاشباع النهم للكرسي الملغوم . فلا غرابة ان تعقبها حالات الاسهال المزمنة . ان وجود ائتلاف بين النهضة وحزبين ( علمانيين ) لا تتوفر فيهما مقومات الحزب في مستوى غياب امتلاكهما لمشروع مجتمعي يرتبط بالتاريخ والمستقبل , فالمؤتمر والتكتل يفتقدان لبنية تنظيمية ونخب متجانسة قادرة على جذب القواعد الى مشروع... لقد تم الامعان في القفز ببلاهة على سخافة المناورات الحاصلة في تقاسم غنائم الحقائب الوزارية عند تشكيل اول حكومة شرعية ...

لقد تناست النهضة تحت وقع السباق المشبوه وغير الخاضع لآليات الثورة ما سطرته في ادبياتها الاولى خاصة ما يرتبط بمشروعها الاصلاحي كامتداد لحركة الثعالبي وكرد فعل على انحرافات الحزب الاشتراكي الدستوري الذي لم ينكر في جوهره مرجعيته الاسلامية الوسطية كمنطلق للتفاعل مع الحداثة . لقد اختلط عليها الامر فاستسهلت دحض عمق الحركة الوطنية استنادا الى انحرافات الممارسة السياسية واكتفت بالقياس على تمظهر الديكتاتورية التي لم تكن سوى غطرسة زعامات رمت بهم الثورة الى مزبلة التاريخ ولكن رجالات في الوطن ظلوا مغمورين وكان من الاجدر على اصحاب المشاريع الحقيقية ان يشيدوا مسلكا محصنا تجاههم .
في غياب التوازن المطلوب , تلذّذت النهضة بانقسامات ضعّفت شريكيها في الحكم وركزت على التصدي العقيم لسهام المعارضة الميتة مجتمعيا و الباحثة عن الضربة القاضية على النهضة من خارج العرف الديمقراطي . وكانت النهضة مطمئنة بانفرادها الى ضعف ما تبقى من التكتّل ومتعالية على مراهقة المؤتمر المهدد بالاندثار...
لقد ظلل الاستفراد المغشوش ادراك الذات المنشطرة بقوة ضبابية الرؤية وتوهمت الانسجام والوحدة التي يفرضها استعجال الاجراءات الراهنة والانية وحالات الطوارئ التي تستوجبها فرق اطفاء الحرائق التي لا تنتهي والتي وتؤول دون تحقيق اي انجاز يذكر على المستوى التأسيسي وعلى المستوى الامني وعلى المستوى التنموي الاجتماعي. لقد غابت ضرورة الحسم والفصل المتأكد بين الجماعة والحزب لمواجهة متطلبات الحكم على حدة ورعاية المشروع التربوي الثقافي بآليات غير مقيدة بالظرف السياسي .
لقد ظل المؤتمر والتكتل المستضعفين يرقبان من خارج الحلبة صراع الديكة بين النهضة والمعارضة والثورة المضادة وكان الامر كله يجري في ظرف تنامت فيه التهديدات الامنية وبوادر غرق الاقتصاد وميوعة المحاسبة وفتحت فيه شاهية المخابرات الخارحية المعادية.
بحث المؤتمر الماضي قدما بقيادات غير متجانسة نحو المعارضة وهو لا يملك ما يخاف على خسارته عن منفذ الخلاص من كماشة الحكم الذي لا يحكم بعد ان استهلك اكثر من اللزوم شعار مطلب المحاسبة وصدّق انه بامكانه ان يظفر بنصيب من السلطة. اما التكتل المحدود جدا فلم يعد ينجه الا ما تبقى من حداثّيته في اذهان العدد المعدود باصابع اليد من رجاله فهو مضطر لانتظار فرصة الصدفة ليثبت عدم تبعيته للنهضة واصوله العلمانية , بحثا عن لافتة التميز والتي لم تعد ميزة للوجود.
لقد استطاعت النهضة ان تتجاوز محنة اسقاط الحكومة وكذّبت نبوءة نهاية العالم بنهاية السنة الاولى شرعية , وحولت شرور العنف ( الثوري ) المتزايد الى من يدفع الى تأجيجه ... ولعلها اطمأنت الى اقتدارها على المحافظة على التوازن فاستسهلت تحقيق مكاسب نوعية جديدة تساهم في الحد من التوتر وترفع عنها ضغوط الاستهداف والاحتقان وتؤسس لمداخل اوسع للانتخابات القادمة ضمن حكومة ائتلافية موسعة تقدم فيها تنازلات دون المساس بالنهج الحكومي القائم في المحاسبة وفي العلاقة بالهيئات التأسيسية والاصلاح الاداري. وهي بذلك تمعن في غلطتها الاولى وقد ورّطت نفسها بدون موجب في آلة الحكم ولعبة الكراسي ووهم النفوذ . انها ماضية في اكل ثمرة لم تنضج بعد.
لقد ادرك المؤتمر والتكتل بمجرد فشل استجلاب الجمهوري والتحالف الديمقراطي وحركة وفاء فرصة رفعهما سقف الشروط , فلم لا يكونا هما الاولى والأحق بالاشتراط خاصة وان امر التحوير الوزاري اخذ وبدون موجب قانوني او سياسي منزلة قنطرة العبور الى اتمام شوط ثان ( مفتعل ) للمسار الانتقالي. لقد اصبح لديهما هامش مناورة حقيقي لحفظ كرامتهما الانتخابية وبقائهما ضمن مضمار السباق المشروط بتركيع النهضة بمهر لا يقل اطلاقا عن شروط المعارضة .وهذا الامر حول بقائهما في الائتلاف مكسبا وخروجهما منه بطولة ولم يكن الثمن باهضا ولا الهدية منتظرة .
ان النهضة لن تفلت هذه المرة من انقسام حقيقي في المواقف . ولن يكون موقفها من شريكيها الا مغامرة في كل الحالات.لان بناءها الداخلي ارهق قواعدها الذين لا هم انفتحوا على عامة الناس ولا هم تضامنوا مع جموع الاسلام السياسي الرافض للعبة الديمقراطية .
ان الاحباط الذي يطال عموم الشعب لا يبالي بتفاصيل واسباب فشل النخبة انه فقط يراكم الاحباط الدافع نحو الاستقالة او تصديق من يتربص بالذين كذبت نبوءتهم .
وفي كل الحالات فان اطراف الترويكا واطياف المعارضة قلوبهم شتى وان حسبناهم جمعا .
ويا خيبة المسعى اذا ساعدنا اعداء تونس ان يكونوا على قلب رجل واحد.
ان الرهان هو الوصول فعلا للانتخابات القادمة وضمان ديمقراطيتها . وما زال طيف سياسي شديد الاهمية يتصدر مجال القدرة على الفعل ولا يمكننا انكار وجوده , شغله الشاغل ابطال مفعول الثورة والكفر بديمقراطيتها ما دامت قد تأتي من جديد بالاسلام السياسي او بمن ينفذ محاسبة حقيقية او بمن لا يضمن المحافظة علئ المتمعشين من منظومة النظام. ولعل كل من لا تعنيه مصلحة تونس في الداخل والخارج مستعد اكثر من اي وقت مضى ان يعمل بفاعلية وجد ودهاء .
ربّ ضارة نافعة ما دامت دائرة النفاق تضيق . وما الازمة الدستورية الملوح بها وتفاقم الازمة السياسية الا اقتراب من التعبير الصادق على الواقع واتجاه مطلوب لمواجهة المرض العضال وهو اكبر من ديمقراطية ملعوب بها ,لا تسمن ولا تغني من جوع .
Comments
10 de 10 commentaires pour l'article 59992