التلفزة الوطنية تحتاج إلى ثورة حقيقية؟

بقلم الأستاذ بولبابة سالم
غيّرت بعض الثورات العربية قنوات بأكملها أما الثورة التونسية فلم تغيّر مذيعا واحدا , هكذا قال الصحفي اللامع الصافي سعيد . لعل في هذا المعطى بعض الجواب لما سنقوله , فمن تربّى على الأداء الإعلامي للعهد السابق لا يمكن أن يواكب التغيرات الحاصلة فقد ولّى زمن السفرات الماكوكية لمواكبة زيارات الرئيس السابق الخارجية و الإمتيازات الخيالية و المنح تحت الطاولة من وكالة الإتصال الخارجي. لا تستغربوا أن يكتب أحدهم لماذا نحبّه و من الحب ما قتل كما قال أحد الشعراء.
غيّرت بعض الثورات العربية قنوات بأكملها أما الثورة التونسية فلم تغيّر مذيعا واحدا , هكذا قال الصحفي اللامع الصافي سعيد . لعل في هذا المعطى بعض الجواب لما سنقوله , فمن تربّى على الأداء الإعلامي للعهد السابق لا يمكن أن يواكب التغيرات الحاصلة فقد ولّى زمن السفرات الماكوكية لمواكبة زيارات الرئيس السابق الخارجية و الإمتيازات الخيالية و المنح تحت الطاولة من وكالة الإتصال الخارجي. لا تستغربوا أن يكتب أحدهم لماذا نحبّه و من الحب ما قتل كما قال أحد الشعراء.
في زمن التهميش و التفقير المنهجي و الإقصاء السياسي كانت قنوات التلفزة الوطنية تبث تخمة من الأغاني المصوّرة و المنوّعات لأنّ النقاشات السياسية كانت من التابوات التي لا يجوز الخوض فيها حتّى إبّان المواعيد الإنتخابية التشريعية و الرئاسية و تابعنا كيف كانت بعض القنوات الفرنسية تتهكّم على قناة 7 و كيف تبث الإستقبالات الشعبية للرئيس السابق بالتوازي مع بث الحفلات الغنائية. يشعر المشرفون على تلفزاتنا بالحرج من ماضيهم فأرادوا التعويض و تكفير الذنوب التي اقترفوها في حق الشعب بالتركيز على البرامج السياسية حتّى سئمها التونسيون لا لجدواها بل لكثرتها مع تواصل بعض العبارات الممجوجة و المصطلحات السمجة و الإطناب في الصراعات الإيديولوجية الساخنة و التراشق بتهم التخوين و العمالة ممّا أفقد الطبقة السياسية الكثير من هيبتها و مصداقيتها و لعل ذلك ما يريده بعض من هندس تلك المنابر . لا أحد يشك في حاجة التونسيين إلى منابر الحوار السياسي بعد سنوات من التصحّر الثقافي و الإقصاء السياسي و سيطرة الرأي الواحد و هي من بركات الثورة التي كسرت حاجز الخوف ووهبتنا الحرية كقيمة تشكّل جوهر الوجود الإنساني. لكن المؤسف أن يكون البؤس و القتامة و المشاهد المزرية هي المشاهد اليومية للتونسي مما يتابعه في بلاده بدعوى نقل الصورة الحقيقية للواقع المعيش في بعض المناطق , ولكن هل توجد دولة في العالم خالية من الفقر و الفقراء و هنا لا أتحدّث عن بث مشاهد الكآبة بل عن حجمها في البرامج التلفزية .
بعد أسبوع من العمل و الدراسة و النشاط السياسي يحتاج التونسيون في نهاية الأسبوع لبرامج ترفيهية كما تفعل كل قنوات العالم لتخرج به من مشاكل السياسة التي لا تنتهي إلى الترويح عن النفس فالرسول عليه السلام يقول : روّحوا عن نفوسكم ساعة بعد ساعة فإن النفوس إذا كلّت عميت . فهل كتب على التونسيين ألا يفرحوا بثورتهم ؟
تحتاج القنوات الوطنيّة إلى ضخّ دماء جديدة ووجوه أثبتت جدارتها و كفاءتها و نراها قادرة على تقديم إضافة حقيقية للمشهد الإعلامي يقطع مع السّائد و الوجوه المستهلكة التي سئمها الناس و لم تحقق إضافة نوعية للمشهد الإعلامي بل تحيلنا على الرّتابة و تجلب النوم في الكثير من الأحيان. الوجوه التي تقدّم النشرات الإخبارية في القنوات الوطنية 1 و 2 لا تملك الحدّ الأدنى من أدبيات الحوار السياسي و أغلبهم كانوا من مقدّمي النشرات الجهوية في العهد السابق ووقع الإستنجاد بهم لتعويض بعض الوجوه التي استوطنت قسم الأخبار و لم يعودوا قادرين على الظهور حفظا لماء الوجه بعد كل تلك القصائد التي مدحت المخلوع و جعلت نشرة الأنباء مصدرا للتندّر حتّى في الخارج. تونس لا تخلو من الكفاءات التي نسمعها مغمورة في بلدها ثم تهاجر إلى الخارج لنراها متألقة لأنه لم تتح لها الفرصة في بلدها بسبب الحسابات الضيقة و المصالح الشخصية و المحسوبية و سأسمّي الأشياء بأسمائها كما عهدني الناس: الإعلامية سعاد الفيلالي في إذاعة تطاوين قادرة على إدارة البرامج السياسية و نشرات الأخبار بفضل حنكتها و قدرتها على الجدال السياسي و لا أرى من يقدموا نشرات الأخبار و إدارة الملفات السياسية أفضل منها بشهادة كل الشخصيات السياسية التي حاورتها بل أحرجتهم في الكثير من المناسبات. كذلك الصحفي الشاب رشيد الجراي المعروف بجرأته و شجاعته في فتح الملفات الهامة و الخطيرة بعيدا عن الحسابات الحزبية و له طاقة عجيبة على العمل و البحث وراء المعلومة .

برامج المنوّعات في تلفزتنا الوطنية حيّرت المتابعين فمنذ رحيل المرحوم نجيب الخطاب الذي استطاع بفضل اجتهاده أن يجمع العائلات التونسية مساء كل يوم سبت في منوّعة فيها الكثير من الطرافة و الإبتكار حيث يجمع بين نجوم التمثيل و الطرب و الرياضة و المسرح و الكوميديا في بث مباشر . برامج المنوّعات تحتاج إلى الإبتكار و التجديد و طرافة الأفكار و من يسهر على تأثيثها اليوم بعيدون عن تلك المميّزات فهم مجرّد مقدمين لمادة بدون روح بل تحيلك على الإستعداد للنوم مبكرا . و لا أعتقد أنّه يوجد في الساحة اليوم أفضل من الإعلامية المتألقة مريم بن حسين لتقديم برنامج منوّعة ضخمة في نهاية الأسبوع فقد أدارت برامج ناجحة في السابق بفضل حضورها المميّز و عفويّتها و خبرتها ثمّ عملها لفترة في قنوات أجنبية و خاصة القنوات اللبنانية .
البرامج الدينية تحتاج إلى مساحة أفضل بكفاءات علمية تونسية زيتونية شابة مثل الأستاذ إبراهيم الشايبي أو الدكتور عبد الجليل بن سالم رئيس الجامعة الزيتونية لتقديم قراءة معاصرة للشأن الديني و الإجابة عن أسئلة الشباب الحارقة حتى لا يلجأ إلى القنوات الأجنبية , و حتّى تكون وثيقة علماء تونس التي تركها الشيخ المرحوم كمال الدين جعيط التي تنصّ أن يكون علماء تونس هم مرجع التونسيين في شؤون دينهم بعيدا عن الأفكار الغريبة عن واقعهم.
القنوات التونسية تحتاج إلى ثورة كبيرة من الداخل من إدارة البرامج إلى المذيعات و المذيعين للقطع مع ممارسات العهد السابق من إقصاء للكفاءات مع ضرورة الإنفتاح على الكفاءات في مختلف المجلات خدمة للمشاهدين من أجل تقديم مادة تحترم ذكاء التونسيين و تصالحهم مع تلفزتهم ليكون الآداء في فاتورة الكهرباء على قدر العطاء . أليس كذلك ؟؟؟
كاتب و محلل سياسي
Comments
13 de 13 commentaires pour l'article 58275