الاتحاد والدور السياسي

د.خالد الطراولي
[رئيس حركة اللقـــاء]
[رئيس حركة اللقـــاء]
يعلن الإتحاد الإضراب العام ويصر عليه، وكان الدافع سياسيا خالصا، مداهمة مقره المركزي، وإن كنا ندين هذه الفعلة ونطلب لجنة تحقيق في ذلك...

يعلن الإتحاد شروط العدول عن الإضراب، وكان الدافع سياسيا بامتياز. فهل لي أن أسأل سؤال المواطن البسيط والعامل اليومي، هل الاتحاد نقابة أم حزب سياسي؟ هل هو المدافع عن الشغالين والساعي لحماية حقوقهم أم المدافع عن أجندات سياسية وحزبية؟؟؟
في الحقيقة ولنكن واضحين فليس هناك لون رمادي في هذه المسألة...إن هناك دورا سياسيا يلعبه الاتحاد من خلال الإعلان عن الإضراب العام في مثل هذا الوضع الحساس والخطير للبلاد وتدافعات السياسيين في هذه المرحلة الانتقالية الهامة، ثم من خلال الشروط السياسية الواضحة التي تناست مطالب العمال وتجنبت مطالب الثورة.
إن هذا االدور السياسي غير المعلن يؤكد على المنحى الخطير الذي دخل فيه الإتحاد بتزعمه وبطريقة غير مباشرة للمعارضة السياسية وأصبح طرفا سياسيا بامتياز، ولم يبق غير أن يطلب تأشيرة لذلك وينزع عنه يافطة النقابة ويترك حشاد رحمه الله وفكره النقابي المناضل يبحث عن ملجأ جديد.
لعل البعض سوف يلوح لي بتاريخ الإتحاد ودوره النضالي وتدخله السياسي، وسوف يذكرنا حتى لا ننسى بالمواقف السياسية الخارقة للعادة لبعض المنظمات النقابية العالمية وخاصة البولونية منها [منظمة تضامن] أيام الهيمنة الشيوعية. نقول بكل اطمئنان أن التاريخ النضالي لإتحاد حشاد مفخرة لجميع التونسيين وليس لفريق منهم وليس لأحد الطعن في ذلك ولا التشكيك فيه، ولا حتى دوره السياسي في بعض محطات التاريخ، ولكن سواء كان اتحادنا أو اتحاد سوليدارنوش البولوني كان الإطار الاستبدادي هو الموجود، كانت التعددية الحزبية مفقودة، كانت السياسة معدومة، كان المدافع الوحيد عن الشغال وعن غير الشغال، عن المواطن في لقمة عيشه وحرية كلمته هو اتحاد الشغالين فقط، في هذه الصحراء. فكانت 26 جانفي 1978 عندنا، وكانت بداية الثمانينات في بولونيا محطات ثورة ليس فقط على الجانب النقابي في المشهد، ولكن على كل الشأن العام لغياب من يمثله ويدافع عنه. فهل حالنا اليوم ونحن نعيش مرحلة الثورة التي لم تكتمل، ومشهد الحرية والتعدد رغم بعض الهنات، يقارب الصحراء أو العدم، أم هو زرع في بستان لم تينع بعد كل ثماره ولم يحن حصاده؟؟
للنقابة دورها السياسي المحمود عندما يحل الاستعمار بالبلاد وهو باب جهاد الدفاع، المفروض عينا على كل فرد ومجموعة ومؤسسة، وهو ما قام به اتحاد حشاد ودفع ثمنه شهيدا في عليين، أو عندما تغلق المنافذ ويهيمن الاستبداد ويطغى ويستفرد بالكلمة والفكرة وهو ما وقع أيام جانفي 1978 وتطلّب دخول الاتحاد رافعا راية الوطن قبل رايته النقابية، ورغم الضمور الحاصل بعد ذلك وانسحاب الاتحاد أيام بن علي.
ليس نفاقا ولا تزلفا أن نقول أن اتحاد حشاد يحمل كوادر وآلاف المنتمين الذين يحملون همّ الوطن ويسعون بكل صدق ووعي لحماية هذه البلاد الطيبة وأهلها الطيبين. وليس مجاملة أن نزعم أن الثورة ساهم فيها النقابيون الشرفاء من بابها الواسع وهذا يحسب لهم ويزيد المسؤولية عليهم في استكمال الثورة على أحسن وجه.
الكرة اليوم في ملعب الإتحاد وما يعنيه ذلك من تحمل مسؤولية وطنية وقانونية كاملة فيما تخبأه الأيام، وخاصة يوم الإضراب من إمكانات فوضى وتجاوزات لا قدر الله، فالبلاد بوضعها الاقتصادي المهزوز وأطرافها السياسية المتشنجة والمتدافعة كالسيل، نسي بعضها أو تناسى المصلحة العليا للبلاد وغلب بوعي أو بغير وعي الانتصار لشخصه أو عنوانه أو جماعته، زيادة على من كان همه ودوره ولايزال إغراق البلاد في الفوضى وإعادتها إلى مربعات السواد وعهود الظلام.
إن الحكومة التي نحمل عليها كثيرا من التحفظات ونعتبرها أخطأت في العديد من المواقف وترددت وتلكأت في أخرى، تحمل نصيبا من هذا المسار وتدفع الثمن باهظا على حساب مصداقيتها وكفاءتها ودورها الوطني. شرعيتها لا تكفي، والنوايا منازلها الصدور وليست السياسة مكانها، وليس للحكومة اليوم إلا التهدئة والتعقل وتجنب التصعيد وفتح باب الحوار على مصراعيه مع كل الأطراف دون شروط مسبقة، والخروج من عنق الزجاجة ومن هذا الفخ الجديد في انتظار آخر بأقل الخسائر المحتملة، وإن كنت ناصحا إياها فعليها أن لا تنسى منطق الثورة الذي تغافلته، ومربعها الأخلاقي الذي داسته.
أما الاتحاد فإن طيف حشاد سيواصل تنغيص بعض الضمائر الحية، وعلى هؤلاء تحمل المسؤولية الكاملة سلميا وحضاريا في توجيه الاتحاد نحو مربعه الأم حماية الشغال، وحماية تونس ولا شك، حين تتعرض للسقوط لا أن يساعد البعض بوعي أو بغير وعي على الدفع بها إلى الهاوية.
إن المسؤولية الأخلاقية في مثل هذه المحطات السياسية الحاسمة والاستشعار بها يبقى البوصلة والساعة التي تعدل على عقاربها كل التوجهات والممارسات والمواقف لتبقى المصلحة العليا للبلاد هي الحاسمة، مهما شرقت أو غربت السفن والمراكب.
Comments
7 de 7 commentaires pour l'article 57656