اضراب الجوع بين السياسي والشرعي

<img src=http://www.babnet.net/images/6/drkhaled.jpg width=100 align=left border=0>


د.خالد الطراولي
رئيس حركة اللقــاء



لم يكن في الحسبان أن نتعرض لهذا الموضوع ونحن نعيش زمن ما بعد ثورة اقتلعت الاستبداد وأطلقت العنان لحرية مكبوتة وأفواه مكمومةK والتعبير من كل باب وزاوية في ظل احترام كرامة المواطن وحقوقه الرمزية والمادية، لم يكن يدور بخاطري يوما أن يسيل قلمي من جديد بحثا عن كلمات في موضوع خلناه من بقايا الدكتاتور...



للإضراب عن الطعام إطار معاصر خالص لا يكاد تجد تعبيرا له في حضارتنا ولا في تاريخنا البعيد والقريب، وهو من النوازل المعاصرة كما يقول أهل الفقه، ولذلك لن تعثر في القديم عن اجتهادات في هذا الباب حيث تبدو إمكانية التعرض له من المستحيلات نقلا وواقعا، فلا النقل يفتي بالإضرار بالنفس البشرية حيث كانت المحافظة عليها من مقاصد الشريعة، ولا الواقع أثبت حالات عاصرت تاريخنا وألزمت الفقهاء بالخوض فيها، ولعل البعد الديني والإطار الاستبدادي في بعض منازل حضارتنا دفع إلى هذا الفراغ.
دخل الإضراب عن الطعام الساحة السياسية والشرعية وبشكل صريح ومدوي في حياتنا المعاصرة، من فلسطين وأكناف بيت المقدس، في بداية الألفية، في معركة الأمعاء الخاوية، حيث أضرب السجناء الفلسطينيون القابعون ظلما في سجون الاحتلال، للتعبير عن رفضهم لأحوالهم السيئة وزنزاناتهم الانفرادية ومحاولة منهم للضغط حتى يستجاب لمطالبهم، كان الرد السياسي ملتفا بمعطف شرعي لحساسية الموضوع وفرادته، وتدخل الفقهاء المعاصرون وأدلى كل بدلوه وانقسموا إلى مجموعتين، من أجاز بشروط ومن رفض كليا. ولكن التقى الجميع على تحريم الانتحار ورفض ترك الإضراب عن الطعام مؤديا إلى الهلاك.
اعتمد الرافضون على مجموعة آيات حملت قدسية الحياة والروح البشرية وتحريم إذايتها :
وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً . النساء : 29.
وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ . البقرة : 195.
إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ . البقرة : 173
كما ركز هذا الفريق وأغلبهم من الأزهر الشريف، على أن حفظ النفس من مقاصد الشريعة ولا بد من استبعاد إذايتها أو المساس ببقائها، ولذلك شددوا على اعتبار الهالك من هذا الباب منتحرا ومرتكبا لكبيرة، وذهب بعضهم أنه ان استحلها فلا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين.
أما الفريق الثاني فقد اعتمد رؤية تنطلق من اعتبار للواقع بحيثياته وتدافعه، وقبول برمزية المقاومة في مواجهة الاستبداد والطغيان، واعتماد كل الوسائل المشروعة لها، والتي لا تخرج من إطار الحلال والحرام. وقيدوا ذلك بعدم إهلاك النفس ووقوع المحظور واستنفاذ كل الوسائل المطروحة. فهي وسيلة مقاومة ضد الجور وإبلاغ الصوت عاليا في مجتمع داخلي ودولي يرى في هذه الوسيلة تعبيرة قصوى لمدى حصول الضرر الفردي والجماعي. ويتزعم هذه المجموعة من الفتوى المقيدة كل من الشيخ يوسف القرضاوي والفقيه المرحوم فيصل المولاوي والمرجع الشيعي اللبناني المعروف محمد حسين فضل الله.
ولعل هذه الفتاوى المبيحة والمقيدة على السواء كان إطارها ولا شك الواقع الفلسطيني ثم الواقع العربي والإسلامي في ظل حكومات الاستبداد، ففتحت الباب للتعبير عن الرفض وطرح ضغوطات داخلية وخارجية على أصحاب الجور الداخلي وحكومة الاستيطان الصهيوني...
وقد شهدت البلاد التونسية في داخل سجونها وخارجها حالات كثيرة للإضراب عن الطعام، كان أشهرها اضرابات مجموعة 18 أكتوبر وكان من ضمنهم الأستاذ نجيب الشابي، واضراب كل من توفيق بن بريك وعبد اللطيف المكي وزير الصحة الحالي، وقد تدخلتُ في ذلك الوقت في رسالة خاصة نشرتها على النات من منفاي حين ذاك أطلب من الأخ المكي التوقف عن اضرابه بعد أن قارب الهلاك [رسالة محبة ومطلب حرج من الأخ المكي :دعوة صادقة لوقف الإضراب* مارس 2004 ]
كما قام بعض أطراف المعارضة في الخارج بإضرابات جوع متتالية تضامنا مع الداخل وتبليغ صوت المعذبين والمظلومين خارج سرايا النظام المقبور وفضح أساليبه لدى الرأي العام الدولي...
كان هذا أيام الاستبداد وكان صوتا مقبولا وأسلوب مقاومة ووقوف نبيلين، كان هذا مرتبطا بدولة الجور والتعدي على الحرمات ودوس كرامة المواطن وسلبه حقوقه، ولكن...
تغير الإطار اليوم والثورة مرت من هنا واندحر الاستبداد غير مأسوف عليه، لكننا وجدنا في سجوننا من بات يعبر عن رأيه، عن إبلاغ صوته بهذه الوسيلة، ووصل بعضهم رحمهم الله إلى الهلاك! فإن كان اجتهاد المجيزين لإضراب الجوع قد تنزل في واقع مقاومة الاستبداد، فهل يبقى جائزا في واقع ثوري و دولة حقوق الانسان ؟ والسؤال الجوهري في كل هذا حتى لا يبقى حديثنا ترفا فكريا أو نزالا فقهيا والمسألة فيها أرواح زُهِقَتْ وأسر رُمّلَتْ: لماذا يصل البعض إلى هذه الوسيلة القاسية لو لم يكن هناك خللا في الاستماع والمعالجة والمناصحة والتواصل، وخللا رهيبا ومدويا في منازل القضاء والسلطة في كل مستوياتها.





Comments


9 de 9 commentaires pour l'article 56872

Mandhouj  (France)  |Mardi 20 Novembre 2012 à 13:37           
Une révolution et avant toute chose, une justice transitionnelle, qui remettra les choses (les relations et les biens) dans l'ordre du droit et des droits, pour le besoin en justice (et le besoin en justice est un besoin naturel pour l’humain), et dans la perspective d’une réconciliation nationale durable et constructive, car il s’agit du futur vivre ensemble mieux/bien/libre/digne), après on pourra parler du développement et de tous les
mécanismes et choix en démocratie (type de régime, model d’élection, pluralisme…) , model économique... ben ali harab. inverser la construction révolutionnaire est une erreur historique, est une erreur mahboula. la construction révolutionnaire commence par une justice, par la justice, pour le besoin de faire ensemble après. la liberté d’expression, le pluralisme politique et culturel sont de l’ordre du naturel dans notre révolution. les
difficultés de reformer et la gravité des enjeux on les connaît tous, mais voila je pense qu'il faut remettre les choses en ordre, et si les pays donateurs (qui nous aident) , les investisseurs étrangers, vont reculer sur leurs choix d'être à « notre côté »), le peuple est là pour finir sa révolution et imposer sa décision du 14 janvier, la révolution de la liberté, de la justice et de la dignité. ben ali harab est le 1er pas sur le chemin de
la construction révolutionnaire. le peuple est le meilleur recours pour tout homme politique et gouvernement qui soutient les objectifs de la révolution (travail, liberté, dignité). on ne s’entappe pas des enjeux dans ce monde de la mondialisation, mais les tunisiennes et les tunisiens nous voulons construire notre place d’acteur et non pas des assisté(e)s. ben ali harab, mais il continue à nuire (...), donc une justice transitionnelle limitera
les frustrations (...) et les violences (...). bravo d'avance pour n'importe quel gouvernement capable de cette justice transitionnelle (dans l'ordre du droit et des droits, normal on est pas des sauvages), et qui comprendra que la sécurité, la justice, le développement, l'égalité des chances ne seront au rendez-vous qu'après une justice transitionnelle. voilà le vrai défi. courage politique s'il vous plaît et patriotisme = intégrer les
objectifs de la révolution, ben ali harab.
mandhouj tarek.

Nejmeddine  (France)  |Lundi 19 Novembre 2012 à 17:46           
@ mikodona
نسيت أن أذكر لك أن موقع حركة اللقاء على النات هو www.liqaa.net
حتى تحصل الإفادة

Nejmeddine  (France)  |Lundi 19 Novembre 2012 à 17:39           
@mikodona
يا سيدي هذا مقال نظري يتحدث عن المجيزين أو الرافضين لاضراب الجوع من كل المدارس الفقهية ولعلك لا تعرف الشيخ فضل الله الذي وان كان شيعيا فهو أقربهم الى السنة بترحمه على الصحابة وذكره بخير أم المؤمنين عائشة واختلافه مع حزب الله وايران ووقوفه الدائم مع المقاومة الفلسطينية
أما عن حركة اللقاء التي تابعت كتابات رئيسها الأستاذ طراولي منذ سنوات عبر موقع تونس نيوز الممنوع في تونس فقد تأسست سنة 2005 بالمهجر واغلب السياسيين يعرفونها بنضالها ورفضها المساومة مع النظام وهي حركة ذات مرجعية اسلامية تجعل من الأخلاق جوهر العملية التغييرية في كل مستوياتها من سياسي واجتماعي واقتصادي ولهم برنامج في هذا المجال وكتب منشورة ولك الحق في انك لم تسمع بهم وهذا ما أكدته لهم أنه يجب عليهم أن يظهروا أكثر في الاعلام حتى يطلع الناس على برامجهم
ولا يكتفون بكتابة المقالات وإن كان هذا طيب في توعية الناس ولكنه غير كافي إذا أرادوا أن يكونوا حزبا فاعلا

Bourced  (Tunisia)  |Lundi 19 Novembre 2012 à 17:29           
اضراب الجوع يكون شرعيا في اطار الدولة الكليانية وضد سياسة المستبد التي تنتهك كل الحريات والحقوق. ويكون سياسيا اذا كان القصد منه التا ثير في موقف السلطة او في توجهاتها . اما بالنسبة لوضعنا في تونس فتتخذ مسألة اضرابات الجوع صبغة مختلفة. فغالبية اضرابات الجوع ليست شرعية لانها تاتي في نطاق دولة المؤسسات وضمن تجربة ديمقراطية وفي غياب كامل عن فكرة الحاكم المستبد والانتهاك الممنهج للحريات على النحو الذي عرفته تونس مدة خمسين سنة. وهي ليست سياسية لأن
القائمين بها لا يعنيهم سوى تحقيق مطلبيات خصوصية ومحدودة ولا تهمهم سياسات الدولة . ان بعض الاضرابات فقط يعد مشروعا لحاجة ملحة او ظلم او ضياع حق . لكن الملفت هو ان اضرابات الجوع في تونس يقوم بها اشخاص يتحملون اخطارها ويستفيد منها الساسة واصحاب المآرب والمصالح الذين يشجعون عليها مساندة وتغطية ودعما حتى يصلوا الى هدفهم وليس الى هدف اصحابها. وهدفهم هو استهداف السلطة وازالتها وهو نوع من الظلم والابتزاز لاصحاب الحاجات كما هو نوع من اللؤم
والدناءة والوقاحة السياسية في اقصى صورها. هذ التوضيف ليس فعلا سياسيا يحترم صاحبه ويدل على قدرات في الخلق والابداع بل هو عمل سياسوي منحط ومتخلف بكل المقاييس. ولا يبعد عن هذه التصرفات المتخلفة بعض الاضرابات المفتعلة للشهرة والتواجد في المشهد العام لا سيما حين تقترن بمسرحيات رديئة للغاية كأن يدعي البعض وانه اضرب لمدة تفوق الشهر ثم تصوره العدسات وهو يقود المظاهرات ويحضر شتى المناسبات وهو في تمام صحته وامكانياته حال ان الجميع يعلم ان اضراب
المرحوم القلي لمدة شهر انجرت عنه وفاته... الشئ من مأتاه لا يستغرب

SOS12  (Tunisia)  |Lundi 19 Novembre 2012 à 16:16           
لعلها مصيبة تعيد المنحرفين من الاعلاميين والحقوقيين والمزايدين والاكادميين والسلفيين الى رشدهم

Mikodona  (Tunisia)  |Lundi 19 Novembre 2012 à 15:18           
نحن في حاجةالى حلول لاتنظير ومزايدات. زد على ذلك كيف ??تسمح لنفسك بالاستشهاد بمراجع الشيعة وفتاواهم

حركةاللقاء متى وجدت وماذافعلت وماه وبرنامجها وماهي مصادرتمويلها?????
من انتم??????

Tunisia  (France)  |Lundi 19 Novembre 2012 à 15:15           
نسأل الله أن يتقبله شهيدا ..شهيد ظلم بني جلدته و اخوانه في الدين....
ان استشهاد القلي هو نتيجة لحقد فئة من قومنا تحارب الدين و منتسبيه و حرظت بكل الوسائل لديها من أعلام متعدد مرئي و سمعي ومكتوب و أحزاب علمانية حاقدة على الدين و جمعيات تسمي نفسها مدنية و هي جمعيات تبشيرية عميلة للمستعمر و الصهاينة و منظومة أمنية تربت على الظلم و الاستبداد.....رحم الله الشهيد ...

Riadhbenhassine  (Tunisia)  |Lundi 19 Novembre 2012 à 13:27           
اليوم سفيان بن فرحات اليوم في الصباح في شمس أف أم قال بالحرف الواحد فوق الثلاث مرّات "هذوما إلّي ماتو أولادنا" ، قالها من غير حشمة و لا جعرة, و هو إلّي كل صباح كان يسب في السلفيين و يسب في راشد الغنوشي كيفاش يقول على السلفيين "هذوكم ولادنا" و يبدا يفلّم و يحكي على أنّو السلفيين هو الذراع العسكري للنهضة، حاسيلو الصباح نسمع فيه و باهت في ها الرقع ، العبرة أنّو النفاق لا دين له

Riadhbenhassine  (Tunisia)  |Lundi 19 Novembre 2012 à 13:10           
« ‎موت البختي هي إحدى حلقات "الأخطاء" و "التضحيات" في المعركة المصيرية و الوجودية بين الثورة و الثورة المضادة ، و هو صراع ستكون فيه أقدار من "سوء التقدير" من مختلف الأطراف الثورية في مواجهة الثورة المضادة المتسلحة بكل الإرث الإجرامي و التآمري الذي مارسته طيلة 50 عاما و التي مارستها أحد منابعها الإيديولوجية البلشفية خاصتا في النصف الأول من القرن العشرين، و لكن نتيجة هذا الصراع سيكون بقدر فهم و التفاعل الواعي لأهل التضحية التاريخيين مع قيم
الصبر و مفاهييم التصرف في الأولويات و التركيز على الأهداف ، من دون هذا، سنسقط في فخاخ الأعداء و سنغوص في التفاصيل التي يراد لنا أن نتلهى بها لنحيد عن الطريق الذي يقودنا إلى الهدف‎ »


babnet
All Radio in One    
*.*.*
Arabic Female