حقيقة ليلى و خيال بن علي

بقلم عبد الرزاق قيراط،
حين تبشّرنا ليلى الطرابلسي بصدور كتابها قريبا فعلى التونسيّين أن يستعدّوا لمراجعة أحكامهم بخصوص هذه المرأة التي احتلّت مواقع النفوذ فتحكّمت في مصير شعب تأخّرت ثورته إلى حين جمع اللصوص ثروتهم. عنوان الكتاب حقيقتي ، يكذّب على ما يبدو كلّ ما قيل عن هذه المرأة، استنادا إلى المنطق اللغويّ من خلال الترادف بين الحقيقة و الصدق و الضدّان كذب و بهتان.
حين تبشّرنا ليلى الطرابلسي بصدور كتابها قريبا فعلى التونسيّين أن يستعدّوا لمراجعة أحكامهم بخصوص هذه المرأة التي احتلّت مواقع النفوذ فتحكّمت في مصير شعب تأخّرت ثورته إلى حين جمع اللصوص ثروتهم. عنوان الكتاب حقيقتي ، يكذّب على ما يبدو كلّ ما قيل عن هذه المرأة، استنادا إلى المنطق اللغويّ من خلال الترادف بين الحقيقة و الصدق و الضدّان كذب و بهتان.
و لعلّنا سنحتاج بالفعل إلى هذا الكتاب حتّى لا ينتشر الفساد في أرض الخضراء بسبب ظلم الأبرياء من حكّامنا الذين يقيمون الآن في أرض الأنبياء، فصفحاته لن تقدّم على الأرجح اعترافات بما نسب إلى حاكمة قرطاج من تهم بالفساد المالي و السياسي. و الذي يدفعنا إلى هذا الاستنتاج سوابق لبن علي، فقد نفى بواسطة المحامي اللبناني أكرم عازوري كلّ ما نسب إليه من تهم بالاستيلاء على ثروات البلاد و التفويت في أملاك الدولة لأبنائه و أصهاره. و كان ذلك في رسالة نُشرت منذ أشهر، تنبّه التونسيّين إلى حجم المغالطات التي تعرّضوا لها و دفعتهم إلى الثورة على الملاك الطاهر البريء الذي «كرّس حياته لخدمة بلده مدّة ما يقرب من ربع قرن و هو يفخر بذلك و لا يقبل كلّ الأذى و التشهير الذي يتعرّض له في خريف عمره على أساس من الاتّهامات الوهميّة الكاذبة».

هكذا اعتبر بن علي التهم الموجّهة إليه كذبا و تلفيقا. فماذا تتوقّعون من زوجته غير السير على نفس النهج. فجميع الأخبار التي تحدّثت عن الكتاب المنتظر قالت إنّ ليلى «ستدافع عن نفسها وتدحض الاتهامات التي تلاحقها وتلاحق عائلتها وتتّهمها بالفساد واستغلال النفوذ والكسب غير المشروع». و في مقابل ذلك ستوجّه «اتهامات لشخصيّات تونسية وفرنسية ولأجهزة الاستخبارات الفرنسية التي اخترقت الدوائر المقربة لزوجها». ليكون الكتاب بذلك المضمون مشابها لرسالة بن علي التي نقلها عازوري إلى الشعب التونسيّ في محاولة أخرى للتخفيف من حدّة غضب التونسيين على ليلى وعصابتها.
و قد يكون عازوري هو الكاتب مرّة أخرى، و إلاّ فهي مواهب جديدة لمن كانت شغوفة بجمع الأحذية و دعوة السحرة والمشعوذين حسب ما ورد في تصريحات العرّاف التونسيّ حسن الشارني الذي أكّد أنّ بن علي «كان واقعا تحت تأثيرات السحر والشعوذة طيلة الأعوام السبعة الأخيرة في حكمه»، و أنّ «زوجته ليلى الطرابلسي سيطرت على تونس بالسحر».
و هذا يجعلنا في حيرة من أمرنا إذْ ما أبعد السحر و الشعوذة عن الفكر و الثقافة، فبهذا الكتاب تدخل ليلى الطرابلسي نادي المثقّفين و تخرج من نادي المشعوذين. و الغلاف الذي يحمل صورتها بحجاب أبيض ينبئنا بتوبة نصوح و يحيلنا على مستوى الطهارة و البراءة و العفاف الذي بلغته بعد أشهر من هجرتها إلى يثرب أو ما جاورها.
حقيقتي ، عنوان مثير حقّا، و أعمق ما فيه أنّه يلغي بن علي من المشهد و يشوّش على حضوره و يشكّك في مدى قيامه بإدارة شؤون البلاد على الأقلّ في السنوات العشر الأخيرة من حكمه. في مقابل إبراز الأنا لليلى التي كرّست جهودها لبلوغ السلطة حين كانت تونس ترزح تحت سلطان الخوف و الإرهاب لكلّ من تسوّل له نفسه إزعاج بن علي و لو بنقد خفيف. حقيقة ليلى الذي تتّضح حتّى قبل قراءة الكتاب أنّها كانت حقّا حاكمة قرطاج و أنّ بن علي كان مجرّد خيال آخذ في الزوال. فهل ستنجح ليلى بمؤلّفها في تفنيد ما جاء في كتاب حاكمة قرطاج لنيكولا بو وكاترين غراسياي من حقائق أخرى كشفت ما كان يدور في قصر قرطاج من مؤامرات دنيئة تفنّن المخلوع وأسرته الموسّعة وأصدقاؤه من الداخل والخارج في حياكة خيوطها و تمكّنوا بها من نهب ثروات الشعب التونسيّ.
لا يبدو ذلك ممكنا لأنّ ما يهمّ ليلى في كتابها هو الكشف عن الملابسات التي أطاحت بحكم زوجها من خلال ما جرى في الأيّام و الساعات الأخيرة أثناء توسّع ثورة الشعب لتشمل أغلب المدن التونسيّة. أمّا ما جرى في السنوات الطويلة من نهب و قمع فلا قدرة لها على نفيه بجرّة قلم.
و في جميع الأحوال سنقول مرحبا لكتابك يا ليلى، فتونس ما بعد الثورة لن تمنعه من دخول البلاد كما منعْتِ أيّام سطوتك كتاب حاكمة قرطاج الذي يتحدّث عن حقيقتك أيضا. حقـيـقـتـك المحبّة للمال و النفوذ، و هي صفة لا يبدو أنّها ستتغيّر، لأنّ الكتاب نفسه قد يكون لغايات تجاريّة ما دام تسويقه على شبكة الانترنت انطلق قبل دخوله إلى المطبعة. فما بالطبع لا يتغيّر.
Comments
30 de 30 commentaires pour l'article 47838