بوش وذروة الطغيان

<img src=http://www.babnet.net/images/sadclown.jpg width=100 align=left border=0>



ليست هناك معركة، بالنسبة إلى الرئيس بوش، أكثر أهمية من معركة تعزيز الحرية ونشر الديمقراطية وإزالة أنظمة الطغيان والاستبداد في العالم وفي منطقة الشرق الأوسط الكبير خصوصا أن مصالح الولايات المتحدة الحيوية بما يشمل ضمان أمن الأمريكيين داخليا وخارجيا تتطلب ذلك. ومن أجل الانتصار أو تحقيق مكاسب ملموسة في هذه المعركة فإن بوش مستعد لفتح صفحة جديدة من التعاون الفعلي مع حلفائه الأوروبيين المعارضين لحربه في العراق ولرغبته في قيادة العالم بما يتلاءم مع الأهداف والمخططات الأمريكية، وعلى رأس هؤلاء الحلفاء زعيما فرنسا وألمانيا.

وضمن هذه القناعة فإن ما يهم بوش ليس تأمين الحلول الحقيقية الملائمة للقضايا والمشاكل الكبرى العالقة في الشرق الأوسط بل إن ما يهمه هو مدى انتشار التوجهات الديمقراطية في دول المنطقة ولو كان هذا الانتشار سطحيا. فمعركة العراق في نظر بوش ناجحة على الرغم من كل ما يحدث لأن هذا البلد شهد أول انتخابات تعددية حرة إلى حد كبير منذ أكثر من خمسين عاما مما يمهد لإقامة نظام شرعي ديمقراطي في هذا البلد. الحدث الانتخابي مهم بالطبع لكن بوش يتجاهل أن الانتخابات ليست الحل السحري لكل المشاكل الكبيرة والمعقدة التي يواجهها العراقيون، بل إنها مجرد خطوة يجب أن تتبعها خطوات عدة أساسية لكي تستقر الأوضاع ويقوم نظام جديد متكامل الشرعية في العراق. ومعركة أفغانستان، في نظر بوش، ناجحة لأن هذا البلد شهد أيضاً انتخابات عامة حرة إلى حد كبير أدت إلى قيام نظام يتلاءم مع حاجات وطموحات الأفغان أكثر مما كان عليه الحال سابقا. لكن بوش يتجاهل أن مشاكل أفغانستان المتعددة العميقة لم تحل حتى الآن وأن المجتمع الدولي لم يضع كل ثقله لمعالجتها. وهناك تقدم واضح وإنجازات مهمة في الساحة الفلسطينية، وفقا لبوش، ليس لأن الأراضي الفلسطينية تحررت وليس لأن الدولة الفلسطينية قامت وليس لأن مفاوضات سلمية جدية بدأت بين الفلسطينيين والإسرائيليين لمعالجة القضايا الكبرى العالقة بل فقط لأن رياح الديمقراطية عادت لتهب في المناطق الفلسطينية ولأن الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبومازن) عازم على إجراء الإصلاحات وتعزيز المنهج الديمقراطي ووقف الكفاح المسلح لطمأنة الإسرائيليين. بل إن بوش يخوض معركته مع الدور السوري والوجود السوري في لبنان رافعا شعار تعزيز الحرية ونشر الديمقراطية في هذا البلد وداعيا دول العالم إلى التعاون معه في هذا المجال لتحقيق هدف إخراج القوات السورية من الأراضي اللبنانية تطبيقا لقرار مجلس الأمن رقم 1559.


بالطبع القضاء على الطغيان والاستبداد وتمكين الشعوب من ممارسة حق تقرير المصير ومساعدتها على التحرر من كل أنواع الاحتلال، كلها أهداف نبيلة سامية ليس ممكنا الاعتراض عليها أو الوقوف ضدها. لكن ما يثير التساؤلات بل الشبهات القوية حول استراتيجية بوش هذه هو أن الرئيس الأمريكي يتساهل مع الطغيان الإسرائيلي ومع الاستبداد الإسرائيلي في التعاطي مع العرب والفلسطينيين ويغفر للإسرائيليين كل ما يقومون به ويتعامل مع مطالبهم ومصالحهم وكأنها هي الأساس وهي التي يجب تأمينها لإحلال السلام في المنطقة. وما يثير الشبهات أيضاً هو أن بوش يحاول التهرب من معالجة جوهر المشاكل الصعبة والمعقدة في المنطقة لأن ذلك يتطلب من الولايات المتحدة إجراء تغييرات جذرية وأساسية في توجهاتها وسياساتها وخططها سواء في العراق أو في ساحة النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي أو في ساحات ومجالات أخرى من أجل ضمان المصالح الحيوية للشعوب المعنية وليس المصالح الأمريكية في الدرجة الأولى.



ذروة الطغيان والاستبداد هو ما يقوم به الإسرائيليون في تعاطيهم مع الفلسطينيين والعرب ومع حقوقهم ومطالبهم المشروعة. ومقياس الحرص على الحرية والديمقراطية هو التصدي لهذا الطغيان والاستبداد الإسرائيليين ووضع حد لهما وليس التساهل مع الإسرائيليين وأعمالهم.




عبدالكريم أبوالنصر

Al watan



Comments


0 de 0 commentaires pour l'article 1564


babnet
All Radio in One    
*.*.*
Arabic Female