سياسة الهروب إلى الأمام والحنين إلى الاستبداد

<img src=http://www.babnet.net/images/1b/asleeponduty.jpg width=100 align=left border=0>



منجي المازني


رغم ما تمّ إنجازه على مدى سنوات الثورة في مجالي الحرّيات و حقوق الإنسان (وفق ما جاء في الدستور) كما في مجال الإعلام على قاعدة مقارعة الحجّة بالحجّة، فإنّنا مازلنا -أو مازال بعضنا على الأقلّ- يستمدّ تصرّفاته الشعورية واللّاشعورية بالنهل من أعماق مخزون التفكير السلبي الذي شكّل زمن الاستبداد بآليات التسلّط. و ما يثير الاستغراب والدهشة أنّ هذا التفكير السلبي لا يزال يهيمن إلى حدّ الآن على أغلب تصرّفات النخبة والعامّة على حدّ سواء.



ولكن من المفيد الإشارة في هذا الخصوص إلى أنّنا إذا أردنا فعلا أن تنجح الثورة وتخطو خطوة إلى الأمام نحو مزيد ترسيخ الديمقراطية وحقوق الإنسان ونحو مزيد تفكيك الاستبداد وسلوكيات وآليات الاستبداد فلا بدّ أن تتوافق الطبقة السياسة وكلّ مؤسسات المجتمع المدني على قاسم مشترك أو ميثاق شرف يكون بمثابة نقطة اللاّعودة إلى طريق الاستبداد. وفي تعذّر ذلك لا مناص من أن تسعى القوى الثورية إلى محاولة فرض الخيارات الشعبية ولو بالحد الأدنى أو على مراحل. وفي خلاف ذلك نكون قد فرّطنا في فرصة ذهبية لإسراع نسق الثورة نحو التحرّر الكامل من براثن الاستبداد ومن الخروج الكامل من دائرة ظلّ الاستبداد. ولكن لابدّ من إنّ يصاغ ميثاق الشرف المرجو وكذلك هذه الخيارات الدنيا على قاعدة خيارات وسياسات استراتيجية وإعلامية واقتصادية واضحة المعالم تقطع بالحد الأدنى مع نظام الاستبداد.
ما دفعني إلى إثارة الفكرة هو الزيارة الفجئية التي قام بها والي قفصة لبعض مؤسسات الدولة ومباغتته لبعض الأعوان وهم نائمون أثناء فترة العمل. وكانت هذه الزيارة موثّقة بالصوت والصورة وبثّت في وسائل الإعلام وعلى شبكة الانترنت. وهو ما يحتّم طرح بعض الأسئلة حول الزيارة من قبيل، هل يحق لمسؤول مهما علا شأنه أن يفضح موظّفا على الملإ حتّى ولو كان هذا الموظّف أخلّ بواجب من واجبات العمل ؟ فمن المفترض في مثل هذه الحالات أن تحتكم الإدارة إلى مقتضيات القانون الإداري والمناشير الوزارية والمذكّرات الداخلية وأن لا تتّبع وتعتمد الحلول السّهلة وتساهم في فضح موظّف على الملإ في مخالفة تامّة لكلّ الأعراف والقوانين الجاري بها العمل في مثل هذه الحالة. فمهمّة الولاّة والموظّفين السّامين للدولة عموما إنّما تتمثّل بالأساس في محاولة البحث المتواصل على إيجاد حلول جذرية لمختلف المعضلات التي تعيشها البلاد والجهة كالبطالة وأزمة السّكن والتنقّل والبنية الأساسية ونحو ذلك من ناحية، و على إيجاد حلول ناجعة لحسن سير مختلف إدارات و مؤسسات الدولة الراجعة لهم بالنّظر. إنّ مهمتهم لا تتمثّل، بالتأكيد، في مراقبة إدارية جزئية للحضور هنا أو هناك أو التقاط خطأ يقترف هنا أو هناك.

إنّ هذه الزيارة الفجئية تذكّرني بما كان يقوم به المخلوع زين العابدين بن علي زمن الاستبداد. فهو من حين لآخر يقوم بزيارة فجئية لكي يواري عن أخطائه وعن سياساته الفاشلة في كلّ المجالات وعن جرائمه في حقّ الشعب، ولكي يتنصّل من كلّ جرائمه ويلبّسها لبعض الموظّفين الفاقدين للسند السياسي أو النقابي أو الجهوي. ونحن اليوم، لا نريد أن ينتهج البعض من مسؤولينا الحاليين نفس النهج ويلبّسوا التهمة حصريّا للشعب الكريم ممثّلا في ذلك العون البسيط، كما كان يفعل المخلوع. فكلّ إنسان ميسّر لما خلق له وله مساحة يتحرّك فيها وتتحدّد مسؤوليته في إطارها. والنوم أصناف. وكلّ له نوم يمكن أن نآخذه عليه. فمن الموظّفين من ينام في مكتبه. ومنهم من بسبب تعنّته وتحجّره ورؤيته الأحادية يتسبّب في نوم مؤسّسة أو إدارة كاملة وشلّ حركتها. فكم من مؤسّسة في التفكير الاستراتيجي تستنزف موارد الدولة على مدار السّنة وهي نائمة بل وتغطّ في نوم عميق وعاجزة عن مدّنا بحلول جذرية لكلّ المسائل العالقة التي ننتظرها منها. ومن الموظّفين السّامين من يصدق في شأنهم قول أبي الطيّب المتنبّي : أرانب غير أنّهم ملوك مفتّحة عيونهم نيام.
ثمّ وفي نهاية التحليل، من أدرانا أنّ الموظّف المخالف هو الذي يتحمّل كلّ الخطأ وكلّ الوزر فيما حدث ؟ أليس للدولة يد فيما حدث ؟ أليست الدولة مسؤولة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بما سمحت به من سياسات في كلّ المجالات خلال شهر رمضان؟ فرمضان المعظّم جعل للعبادة ولكن سياسة الدولة بما وفّرته من ظروف،مفتوحة على كل الاحتمالات، حوّلته إلى شهر للّهو والصّخب والقمار والمسلسلات الهابطة والرديئة والسهر إلى مطلع الفجر. فطبيعي أن ينساق بعض النّاس وراء هذه السياسة وينغمسون في السّمر واللّهو إلى مطلع الفجر ثمّ يأتون إلى العمل متأخّرين منهكين فيواصلون نومهم في أماكن عملهم. وإذا أردنا التعمّق في الموضوع من كلّ جوانبه فلا بدّ من الإشارة إلى أنّ الثورة أو طول الفترة الانتقالية بصفة أدقّ هي من ساهمت في أن يتجرّأ المواطن على عدم احترام الدولة والقوانين والأعراف. فالموظّف لم يعد يهاب الإدارة بالقدر الكافي. والمواطن لم يعد يهاب الدولة بالقدر الكافي أيضا. ففي الفترة الانتقالية انتشر التسيّب في الإدارات وانتشر البناء الفوضوي وانتشر الانتصاب الفوضوي والتهريب والتهرّب الجبائي وانتشرت وعمّت كل السلوكيات المرتبطة بالفوضى. فلا بدّ للدولة أن تبحث في الموضوع من كلّ جوانبه وأن تبحث في أصل المشكلة دون أن تعتمد الحلول السهلة التي تحمّل المسؤولية للحلقة الضّعيفة في سلسلة المسؤوليات. وكلّ سلوك في هذا الاتجاه هو تغطية عن الحقيقة وتغطية عن العجز الحاصل في التشخيص واستنباط الحلول. وهو محاولة للهروب إلى الأمام باختلاق مشاكل وحلول وهمية لا علاقة لها بالمشاكل الحقيقية للبلاد ولا بالحلول الجذرية لها.



Comments


3 de 3 commentaires pour l'article 127212

Mandhouj  (France)  |Mercredi 22 Juin 2016 à 20:27           
الإستنجاد ببن علي: محاكمة رمزية لخيار الانتفاضة الشعبية

عنوان مقال على موقع نواة

Mandhouj  (France)  |Mardi 21 Juin 2016 à 21:03           

الباجي قائد السبسي ، مدير أمن ، وزير داخلية ، يؤسس مع أحمد المستيري حركة الديمقراطين الاشتراكيين ، ثم يعود إلى الحزب الإشتراكي الدستوري بعد أشهر ، يرحب بي 7 نوفمبر ، يشتغل كرئيس مجلس النواب، … ، ثم يبعد عن الأنظار ، ليعود بعد هروب السارق ، كرئيس حكومة، ينزل النمو في عهده إلى 2 درجة تحت الصفر ، يؤسس نداء تونس ، يدعو و يشارك ، في إعتصام الرحيل ، ثم يقع تحييد الشرعية الانتخابية عبر الحوار الوطني ، لتأتي حكومة التكنوقراط ، جمعة ، و كربول على وجه
المثال لتلك الحكومة ، مع ما يمكن أن نقول عن القروض في عهد جمعة و خاصة القرض الأخير الذي أمضى عليه دون علم المجلس التأسيسي .. إنتخابات 2014 ، النتائج معروفة للجميع ، جاء الرباعي الحاكم ليحكم ، حاول سي الباجي أن ينقلب على مسار العدالة الانتقالية (رغم هشاشته الحالية )، عبر مبادرة المصالحة الاقتصادية و المالية ، تصدى الشعب، عبر مجتمعه المدني و الحقوقيون لهكذا ورقة .. فرض نفس الورقة أن تكون في قانون المالية 2015/2016، لكن هيئة مراقبة دستورية القوانين
افشلت العملية الانقلابية (شكرا للمعارضة ) .. أرجع الأصنام (تحت غطاء التاريخ الوطني)، فجر حرب الشقوق في حزب النداء، ليحدث ما عشناه خلال 6 الشهر، من مهازل سياسية أثرت جد سلبيا على عمل الحكومة، و البقية في الطريق … ثم الآن يأتي بمبادرة حكومة الوحدة الوطنية، يدخل البلاد في نقاش السفهاء و المتزلفين الباحثين عن مناصب بعد فشل في الانتخابات .. كل هذا ليقع من جديد تحييد الشرعية الانتخابية، مجلس نواب الشعب هذه المرة ، حتى يصبح بيت ليصادق على ما يملى له ،
كما فعل بالمجلس التأسيسي من قبل، بعد الحوار الوطني، مهمته كمجلس تأسيسي تقلصت لتكون المصادقة على التوافقات ، و ترك حكومة التكنوقراط تفعل ما تريد . في 5 سنوات يقع تحييد الشرعية الانتخابية، عبر خلق واقع سياسي متأزم و مفبرك، قطعة قطعة … إذا كان الباجي قائد السبسي ليس بسحار، أو إنسان يعشق التآمر، فمن هو إذا ؟

بدون شرعية إنتخابية لا يمكن أن تحكم البلاد ،

في 3 سنوات يقع تحييد الشرعية الانتخابية مرتين ، و سي الباجي هو عنصر أساسي في العمليتين ،

الباجي قائد السبسي ، حامي النمط و الدولة العميقة ، لا يمكن أن يحكم معه إنسان آخر ، نفسانيا لا يرضى ، لا يمكن أن يترأس بلد دستوره لا يعطي كل السلطات 100% بيد الرئيس ، الباجي قائد السبسي إنسان مهلوس بالحكم ، بالزعامة ، حوله من الوصوليين من يحبون السجود له . الباجي قائد السبسي لا يمكن أن يحكم بلد ، الاعلام لا يتكلم عنه كل يوم و يوري صورته ، و هذا قاله للصحافي ليلة خطابه لإعلان مبادرة حكومة الوحدة الوطنية .
المترشحين لرئاسة الحكومة (حكومة الوحدة الوطنية ، صنفان ؛ الأول أعمدة النظام السابق أو أحد الموالين الكبار ؛ الصنف الثاني أحد رجال الديكور الديمقراطي لبن علي ، مثل أحمد نجيب الشابي …).
الباجي قائد السبسي ، رجل الماضي ، الباجي قائد السبسي، رجل عهد الدكتاتورية -حزب دولة، دولة حزب – ، الباجي قائد السبسي هو مهندس إعادة دولة التجمع .

على كل حال أحزاب الرباعي الحاكم مسؤولة أمام الشعب على ما يحدث الآن في البلاد .
و الشعب سيد الموقف الأخير . لكن على العقلاء -المجتمع المدني و الشخصيات الوطنية الصادقة ، أن كانت موجودة – أن لا يتركوا الشعب لوحده يستفعل به سياسية (تحييد الشرعية الانتخابية و الإنقلاب على الدستور) و إقتصاديا (حالة المالية العمومية خير دليل، استشراء الرشوة و الفساد، دليل آخر، تواصل الاقتصاد الموازي سيطرته على السوق، دليل يعرفه الجميع ).

June 20th, 2016

BenMoussa  (Tunisia)  |Mardi 21 Juin 2016 à 15:11           
من الواجب التشهير بالمخالفين حسب اهمية جرمهم لا ان نحاول اختلاق الاعذار والادعاء بان غيرهم مذنب ايضا
وعلينا الاقتداء بالاحكام الشرعية في ذلك، فقطع يد السارق ووجوب حضور الناس لجلد او رجم المعتدين يدخل في باب التشهير بالجرم والمجرمين
ولو طبقنا هذه القاعدة لقضينا على كثير من الآفات التي تنخر المجتمع ولكننا دأبنا على التستر على المخالفين والمجرمين بتعلات شتى فشجعناهم وشجعنا غيرهم حتى عم البلاء


babnet
All Radio in One    
*.*.*
Arabic Female