منع مؤتمر حزب التحرير.. بديل حرب الحكومة على الفساد

بقلم: شكري بن عيسى (*)
دعاية كبرى تلقاها حزب التحرير هذا الاسبوع بسبب الغباء السياسي المفرط لوزير العلاقات مع الهيئات الدستورية، ابتداء من رفض طلب اقامة مؤتمره مرورا بايقاف المحكمة الادارية المنع وصولا اليوم الى رفض السلطات الامنية (تحت غطاء سياسي) الامتثال للحكم القضائي الاستعجالي الصادر عن الرئيس الاول للمحكمة الادارية ومنع اقامة المؤتمر السنوي للحزب وتعطيل رضا بلحاج من التحوّل الى تونس، ووضعت بذلك الحزب في موضع الضحية التي لم تمكن من حقوقها في خروق مختلفة وخطيرة لمؤسسات وسلطات الدولة ودستورها وقوانينها.
دعاية كبرى تلقاها حزب التحرير هذا الاسبوع بسبب الغباء السياسي المفرط لوزير العلاقات مع الهيئات الدستورية، ابتداء من رفض طلب اقامة مؤتمره مرورا بايقاف المحكمة الادارية المنع وصولا اليوم الى رفض السلطات الامنية (تحت غطاء سياسي) الامتثال للحكم القضائي الاستعجالي الصادر عن الرئيس الاول للمحكمة الادارية ومنع اقامة المؤتمر السنوي للحزب وتعطيل رضا بلحاج من التحوّل الى تونس، ووضعت بذلك الحزب في موضع الضحية التي لم تمكن من حقوقها في خروق مختلفة وخطيرة لمؤسسات وسلطات الدولة ودستورها وقوانينها.

اكاد اجزم ان اغلب التونسيين وانا منهم برغم اهتمامي بمجريات الشأن العام لم يواكبوا مؤتمر حزب التحرير للسنة المنقضية، وقد مر دون علم الكثيرين ولم يحدث على كل اشكاليات امنية او ارباك او فوضى او تهديد للامن العام او النظام العام بصفة عامة ولم يحصل فيه خروق للقانون والا لعايننا محاكمات وادانات واضحة، وحتى الاتهامات من اعلى هرم السلطة للحزب بالمشاركة في ارباكات امنية في احتجاجات القصرين في جانفي او قرقنة في افريل بقيت مجردة دون ادلة قطعية ولا احكام قضائية ونفس الشيء بالنسبة لما بلغنا من حكومة جمعة والصيد بايداع طلب قضائي لحل الحزب.
ما حدث اليوم حقيقة ممارسات غاية في التسلط والاستبداد ولم تمس حزب التحرير فقط بل خلقت سوابق في المنع خطيرة واعادت بقوة للاذهان الخوف من سطوة الجهاز البوليسي تحت وصاية الجهاز السياسي في انتهاك للفصل 19 للدستور المتعلق بحيادية الامن الجمهوري التامة عن السلطة السياسية، وفي ضرب الديمقراطية وانتهاك الحقوق والحريات الفردية والجماعية الاساسية وانتهاك الدستور، وداست مكاسب الثورة التي حققت الحقوق والحريات السياسية واعادت الكرامة للتونسيين وحمتهم من التضييقات خاصة في ممارسة حق التظاهر والتعبير السياسي الذي يضمنه اليوم الدستور بوضوح.

قد يختلف الكثيرون مع حزب التحرير في تبنيه نظام الخلافة او توجهه العابر للوطن او رفضه الراية التونسية، وفي عديد الدول الديمقراطية توجد احزاب لا تقبل بالمبادىء الكبرى للحكم مثل بريطانيا حيث توجد احزاب ترفض النظام الملكي وحتى حزب التحرير مرخص له، ودول اخرى ايضا عديدة تتبنى النظام الجمهوري فيها احزاب تدعو للملكية، والدستور التونسي في هذا الصدد يضمن حرية التعبير والتواجد السياسي، المهم هو الالتزام بمنع التكفير وعدم السقوط او الدعوة للعنف او على الكراهية التي نص عليها الفصل السادس، والالتزام بعدم تبني وممارسة التمييز على اساس ديني او جنسي او جهوي او فئوي او الدعوة للتعصب التي نص عليها مرسوم الاحزاب، واذ وجّهت الحكومة اتهامات بهذا الخصوص فالمرسوم المذكور يسمح لها باجراءات ادارية واضحة وفق صيغ محددة ويبقى القضاء الفيصل في النهاية.
الدولة المدنية تشجع على الانخراط في النشاط السياسي المنظم بعيدا عن السرية ولا ترفض من يتناقض مع منطلقاتها ومبادئها المهم عدم الانخراط في الالغاء والاستئصال المتبادل، فالدولة هي الوعاء الذي يحوي الجميع، بل ان ما تم اليوم فيه اعتداء جسيم على السلطة القضائية التي سمح لها الفصل 49 من الدستور في رقابة التحديد على الحقوق والحريات الدستورية وحط من اعتبار وقيمة حكم صادر باسم الشعب من اعلى الهيئات القضائية الذي اوقف قرار منع الداخلية للحزب من عقد مؤتمره ولم ير موجب لذلك او تهديدا للامن العام واعتبر انه في كل حين يمكن ايقاف المؤتمر اذا خرق القانون، والفضيحة كانت مجلجلة فعلا.

والعملية بقدر ما حملت نتائج سلبية على الديمقراطية والحقوق والحريات واحترام الدستور والسلطة القضائية باعادة سلطة البوليس الخاضع للسلطة السياسية فانها اساءت لتونس وسمعتها واعتبارها واضرت بالامن واستهدفت السياحة والاقتصاد بافتعال وجود مخاطر وتهديدات لا اساس لها وهذا يضاف للتقارير الحقوقية الداخلية والدولية التي توثق لتدهور الحقوق وحرية التعبير واستمرار ممارسات التعذيب ويضاف لها اليوم المنع السياسي المباشر، وحتى ما تعلل به الوالي من وجود حالة طوارىء فهذا لم يقع تطبيقه على بقية الاحزاب وفيه خرق جلي لمبدأ المساواة المنصوص عليه في الفصل 21 من الدستور فضلا عن انه دوس لحكم قضائي صريح.
ويبدو ان الوزير الجندوبي مصر على ارباك البلاد وتسميم المناخ الاجتماعي والفضاء السياسي، الذي يقود حملة بخلفيات ايديولوجية ضد احزاب وجمعيات معينة، واكد ان القرار سياسي ، في حين لم نر تحركا وحيدا ضد ممارسات العنف العلنية منذ اشهر من نداء تونس (حيث الهراوات على الهواء مباشرة فضلا عن التصدي للسيارات والبلطجية..) التي اضرت بالبلاد واربكت الحكم وخلقت فوضى واسعة وفسحت حينها بتوفير البيئة المناسبة للعمليات الارهابية، ولم نر تحركا ضد بعض الجمعيات ذات التمويلات المشبوهة والمال السياسي الذي يفسد الديمقراطية والحياة السياسية والتمويلات الاعلامية الفاسدة التي سجلناها مرارا من هيئة تعديل الاتصال السمعي البصري اما لجنة التحاليل المالية المراقبة للتدفقات المالية الاجنبية فيبدو انها في حالة عطالة كاملة ما دام الامر في فائدة بعض القوى الحاكمة وممويليها.
كنا نتمنى الحقيقة ان تكون الحرب الحقيقية على الفساد والفاسدين ولوبيات التهريب التي تنخر الاقتصاد وتمنع الاستثمار وتعطل التشغيل، وكنا نتمنى ان تتحرك ماكنة الحكومة في اتجاه مكافحة تجارة المخدرات الرائجة التي تدمر اطفالنا، ومقاومة الغش والتهرب الجبائي الذي يخرب البلد وان تتجه نحو تطبيق بعض القرارات المعطلة للمصادرة والتحرك الجدي لاسترجاع الاموال المنهوبة والمقدرة بعشرات مليارات الدينارات لمواجهة حالة الافلاس التي وصلت اليها المالية العمومية اليوم.. ولكن يبدو ان البوصلة اتجهت نحو حزب التحرير لمنع مؤتمره (حتى في ظل قرار قضائي يجيزه) في دوس خطير لعلوية القانون!!
(*) قانوني وناشط حقوقي
Comments
24 de 24 commentaires pour l'article 126355