حديقة البلفيدير.. الثروة المهدورة

<img src=http://www.babnet.net/images/1b/belvederexx1.jpg width=100 align=left border=0>


بقلم: شكري بن عيسى (*)

لا نظن ان الوزراء المكلفين يالسياحة والثقافة والصحة والبيئة وبقية الوزارت المعنية بالشباب والرياضة والمرأة والطفولة ولا ايضا الداخلية والفلاحة وضعوا يوما المعلم الطبيعي والحضاري حديقة البلفيدير عنصرا اساسيا على جدول اعمالهم في علاقة بوظائف وزاراتهم، والا لما وجدنا هذا المعلم الثمين في وضعية الاهمال القاسي، ويبدو انهم لم يقدّروا بما يلزم ما يمكن ان يستثمروه في نطاق النشاط السياحي والثقافي والصحي والرياضي..





هذا المعلم الذي اصبح في جانب كبير منه مزار وملجأ الباحثين عن مكان منعزل لاحتساء المشروبات الكحولية يصطفون في عشرات السيارات وتحت الاشجار وبعض الشباب الذين يختارون الاماكن المنزوية للاختلاء برفيقاتهم في وضعيات احيانا مخلة بالاداب العامة وبعض المتشردين الذين يجدون مكانا امنا يقيهم الاذى ونظرات الناس المُحقّرة، وحتى الكلاب السائبة، ولكن الاخطر من كل ذلك ويدفع لدق ناقوس الخطر هو غياب اليات تأمين قانونية او مؤسساتية او مدنية لتحقيق الحماية بعد حوادث قطع قرابة 150 الف شجرة في بنزرت وقطع الشجرة التي فاق عمرها القرن في قرطاج المفزرعة في ظل افلات كامل من العقاب وتواطؤ من مؤسسات الدولة، وطبعا دون نسيان ما اقدم عليه الطرابلسية من الشروع في مصادرة قطعة كبيرة من الحديقة وبرمجة الدولة طريق سيارة لشق المعلم في اواخر الثمانينات.

يصعب الحقيقة تقدير قيمة واهمية حديقة البلفيدير التي يعود تاريخ انشائها الى اواخر القرن 19 والحديث عنه ووصفه بالدقة المستوجبة، هذا الفضاء الفريد بمخزونه الطبيعي والحضاري والتاريخي والاثري والثقافي والاجتماعي والرياضي العريق، فهو يغطي قربة 110 هكتار (وفي بعض الوثائق 112) ويشمل قرابة 16 معلما متنوعا، من قبة الهواء التي يعود تاريخها الى القرن السابع عشر الى الأنفاق الخمسة التي حفرها الجيش الالماني خلال الحرب العالمية الثانية لا يزال اثنان منها في حالة غير متداعية، مرورا بـ البحيرة الاصطناعية وبـ الميضة وبـ الكازينو و الهضبة المعروفة باسم البلاطو و نادي الفروسية وطبعا دون نسيان الشجرة العملاقة Ficus macrophylla التي تغطي قرابة الالف متر مربع وايضا حديقة الحيوانات التي تمسح قرابة 13 هك، ولكن ما يثير الاستياء العميق ان لم يكن السخط منذ الوهلة الاولى هو بقاء ثروة عظيمة دون استغلال بل تبديدها وامكانية اتلاف جزء منها واندثارها ربما مع الزمن.

الحديقة يرتادها اليوم الزوار باستمرار الذين ارتفع عددهم مع وجود معرض الزهور الذي انطلق في 17 افريل ويستمر الى غاية 5 ماي اما العدد الاكبر فيرتاد حديقة الحيوانات ويصل سنويا الى ما يزيد عن 750 الف زائر، واذ تم تحسين النظافة بشكل عام اثر حملة الاتهامات الكبيرة خاصة على الفايسبوك التي طالت ادارة الحديقة وبلدية تونس في فيفري ومارس المنقضيين وما تبعها من حملات نظافة مشتركة قادها الاطفال وسكان المناطق المجاورة خاصة العمران والزوار وعديد المتطوعين وجمعية احباء البلفيدير وتفاعل معها المسؤولين بايجابية بتحسين الحالة العامة فان الاشكال الاكبر هو في الاستثمار الضعيف وشبه المنعدم لهذا المعلم وغياب مشروع متكامل يثمن الثروات والمخزون المتنوع.

بين المخاوف من مصادرة جانب من الحديقة او بعض مكوناتها او اشجارها والخشية من احتمالات نشوب حرائق ممكنة في ظل انتشار الحشائش الصفراء التي لم يتم حرثها والقلق من عدم صيانة الموجود والانشغال من غياب رؤية للاستغلال الكامل لمعلم ثري، التي تعكس غيابا كبيرا للدولة وتهاونها، توزعت اهم الهواجس، اذ لا يعقل ان يبقى وجود 110 هكتار وقرابة 230 الف شجرة اغلبها يعادل عمره القرن ومعالم متنوعة عريقة مقتصرا على نشاط حديقة الحيوانات التي تحوي قرابة 1200 موزعين على 150 فصيلة اغلبها في حالة حسنة وزادتها اللوحات البيانية معلومات قيمة ولو ان غياب الفيل والزرافة والدلفين كان مثار استنكار شديد فضلا عن انتشار الانتصاب الفوضوي الذي يبيع منتجات غير صحية قد تضر على السواء بالزائر والحيوان ونفس الاستنكار خص البحيرة الاصطناعية التي اجتاحها التلوث في القاع وقوارير البلاستيك في السطح.

احتمالات الاعتداءات المختلفة على الحديقة دفع جمعية احباء البلفيدير الى التركيز على الحماية والصيانة قبل الاستثمار جسدته في الطلب الذي تم تقديمه من أجل تصنيف الحديقة في التراث العالمي، والحقيقة ان تشريع قانون الشراكة العامة-الخاصة قد يشرعن السطو على الفضاءات بطريقة مقنّعة من الخواص وهي برامج يقع التداول بشأنها، عادة ما تسبقه عملية اهمال للمكان تتلوه عملية شيطنة لطرح الخواص كـ منقذ ، وطبعا غياب السلطة الكبير يفتح شاهية الطامعين، الذي يمكن ان يعرض للهلاك ثروات الحديقة، ويضيع رئة العاصمة ويشوه معالمها، وما يجب استنهاضه هو الشراكة بين المجتمع المدني والمبدعين والدولة بعيدا عن منطق السوق والصفقات التي لا تفوح منها الا روائح الفساد.

وما نتمناه حقا هو نشر الفضاءات الثقافية المتعلقة بالفن والمسرح والسينما والمطالعة وكل الاشكال الابداعية وايضا الرياضية والفضاءات العائلية وفضاءات العاب الاطفال وهذا من شأنه ان يحقق الترفيه والتثقيف ويحسّن الصحة النفسية والعقلية والبدنية في فضاء يقع في قلب العاصمة من شأنه ان يقضي على الامراض النفسية الطاغية مثل الملل والكسل والجمود والاحباط، وعدم تحرك الحكومة للاستثمار والتغاضي على تبديد وتلويث المخزون النفيس والعدوان على الطبيعة والتراث لا يمكن تصنيفه الا في خانة سوء التسيير والحوكمة ان لم يكن فساد صريح واهدار لثروة لا تقدر!!

(*) قانوني وناشط حقوقي

















Comments


2 de 2 commentaires pour l'article 124345

Jbell  (France)  |Jeudi 28 Avril 2016 à 19:53 | Par           
شكرا للكاتب ،حديقة البلفيدير مهملة منذ سنوات،بعد الثورة أهملت أكثر و البلاطو أصبح مرتع للسكيرة و أغلبهم من الشرطة. لم يعد بالإمكان التجول في البلفيدير و البلاطو لم نعد نستطيع أن نلعب مباراة كرة قدم ،بسب تعربيد الشرطة

MOUSALIM  (Tunisia)  |Jeudi 28 Avril 2016 à 10:30           
مقال ممتاز للكاتب فالحديقة هي بالفعل أثمن كنز لسكان العاصمة وما جاورها في غياب المساحات الخضراء في الأحياء السكنية . هل تعلم أن الأمراض المزمنة لسكان المدن يعود في أول أسبابه لغياب المساحات الخضراء بمعنى أن الحديقة قد توفر الصحة لكل السكان وتوفر المليارات التي تستوجبها العلاجات .وهذا حسب دراسة علمية صدرت هذا الأسبوع .


babnet
All Radio in One    
*.*.*
Arabic Female