علي هامش الحوار التلفزي على " قناة تونس 7" حول الاعلام: هل تمّ «تفريك الرمّانة» حقا ّ؟

<img src=http://www.babnet.net/images/2/languebois.gif width=100 align=left border=0>


بقلم:الاستاذ سمير عبد الله - ذلك هو السؤال الذي ظلّ مرسوما أمامي على شاشة قناة تونس 7 وأنا أشاهد جينيريك نهاية الملف التلفزي الذي بثته ليلة الثلاثاء حول واقع الاعلام في تونس ولا أخفي أن الانطباع الذي خرجت به في تلك اللحظة يشبه المذاق الناقص (Un goût d'inachevé) والكمال لله!

عبارة تفريك الرمانة والتي تماثل في اللغة العربية عبارة لنفقع الدمّالة! قالها أحد الاعلاميين ممن وقع استجوابهم خلال ذلك البرنامج، استحسنها وتداولها عدد من المحاورين الضيوف في الاستوديو.





الشيء المؤكد ان ملف الاعلام في تونس هو أكثر الملفات جدلا، أسال ولايزال الكثير من الحبر في الاوساط السياسية والاعلامية والحقوقية وهناك شبه إجماع بين السلطة والمعارضة أن هذا الملف ظلّ يراوح مكانه: الجميع متفق حول تشخيص المعوقات التي أضحت معلومة من الخاص والعام ولكن لا أحد مرّ إلى صميم الموضوع وصميم الموضوع يقول أن قضية حرية الاعلام لا تحلّل ولا تناقش وإنما تمارس!

وهنا تنتقل بي الذاكرة إلى تلك الجلسة المشهودة التي عقدها الرئيس بن علي مع مديري ورؤساء تحرير عدد من وسائل الاعلام المكتوبة والتي بثت وقائعها التلفزة الوطنية. كان ذلك في ماي سنة 2000 وكلنا يتذكر الجرأة والصراحة التي تحدث بها رئيس الدولة الذي وضع إصبعه على الدّاء وكان أول من شخص الواقع بجملة واحدة لا زال صدى الرجة التي أحدثتها ماثلا إلى اليوم: عندما أتصفح عناوين صحيفة واحدة كأنني قرأت جميع الصحف! ومنذ ذلك الموقف اللافت لم يخلو خطاب من خطب رئيس الدولة في المناسبات الكبرى من التأكيد على دور الاعلام المحوري باعتباره حجر الزاوية في أي بناء ديمقراطي والدعوة الملحة للاعلاميين إلى مزيد من الجرأة في تناول القضايا التي تشغل بال الرّأي العام والاضطلاع بوظيفتهم في النقد والتقويم والمساءلة بل ان الرئيس بن علي لم يكتف بتلك المواقف وإنما جسّد شخصيا ما يدعو إليه من خلال الجرأة والصراحة والصدق وهي سمات ميّزت أسلوبه في الحكم منذ التغيير وعندما يؤكد أنه لا وجود لمحرّمات ولخطوط حمر عدا ما اقتضاه القانون فإنه أعطى القدوة في ذلك وأجاب على جميع الاسئلة التي ظنها البعض من الممنوعات بما فيها الكليشيات التي تروّجها بعض الاوساط المسكونة بحقد مرضي على تونس تجسّد ذلك في الحديث الصحفي الذي أدلى به مؤخرا لمجلة لوفيغارو مغزين والذي صدر تحت عنوان يغني عن أيّ تعليق: لم نرفض أبدا النقد (Nous n'avons jamais refusé la critique).

في مقابل ذلك وبالعودة إلى ملفنا التلفزي فإن جميع من تكلّموا، وهم من نخبة الاعلاميين أكّدوا على مقولات الجرأة وقدسية الخبر، والحق في الاختلاف والحرية في التعبير وهي مقولات جميلة وعناوين أساسية لا يمكن في غيابها الحديث عن إعلام حرّ ولكن السؤال المطروح كم من أولئك الضيوف كرّس تلك المقولات في المؤسسة الاعلامية التي يعمل بها؟! .. والاجابة تطرح في الحقيقة مفارقة غريبة تتعلق بالفجوة بين بعض التصريحات وواقع الممارسة.

أقول هذا مع الاقرار بأن الملف التلفزي شهد مداخلات هامة لم تخل من الجرأة وتعبّر عن إرادة صادقة وحقيقية في الاقلاع بقطاع الاعلام إلى المراتب المتقدمة التي بلغتها سائر القطاعات الاخرى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية.

كما لا بد من الاقرار بأن الساحة الاعلامية شهدت تعددا في العناوين الصحفية المكتوبة والمسموعة والمرئية لكن ذلك التعدد لا يعكس بالضرورة تنوعا في المضامين رغم المبادرات الجادة الحرية بالتشجيع والتي نلحظها في بعض العناوين الصحفية والقنوات الاذاعية والتلفزية في القطاعين الخاص والعام.

ثم وبالعودة إلى موضوع الجرأة على صعيد الممارسة الصحفية فإن القارئ في تونس يقف أمام مفارقة عجيبة أخرى: هل أن الجرأة أصبحت حكرا على بعض العناوين الصحفية التي تصدرها بعض أحزاب المعارضة الراديكالية في حين أن تلك الجرأة فيها الكثير من التحامل والتعسف وهي محكومة أكثر بنظرة عدمية للاشياء بعيدة عن أدنى المعايير الصحفية التي تقتضي الموضوعية والنسبية في تصوير الواقع؟ وهذا يدفعني إلى القول أن الجرأة ليست احتكارا (Monopole) لبعض أطياف المعارضة بل انها من صميم العمل السياسي عموما والعمل الصحفي بالخصوص والمتأمل في النقاشات الجارية داخل قبة البرلمان بغرفتيه يفاجأ بحقيقة ان أكثر المنتقدين لواقع الاعلام في بلادنا هم من نواب حزب الاغلبية التجمع الدستوري الديمقراطي! وهذه الحقيقة أصدع بها رئيس مؤسسة التلفزة خلال الملف المذكور.

كما لا يفوتني الوقوف على بعض مظاهر الضبابية والتسطيح التي اعترت الملف التلفزي نسوقها في خواطر سريعة:

- أولا من حيث الشكل: هل أننا بحق أمام ملف حواري أم ندوة مختصة في شؤون الاعلام بالنظر إلى العدد الضخم من المدعويين: ثمانية يضاف إليهم المنشط الذي أصبح هو الاخر طرفا فاعلا في الحوارات التي أعدّها إلى الان في حين أن جدوى مثل هذه الملفات تقتضي أن لا يتجاوز عدد الضيوف في أقصى تقدير الاربعة مثلما ما هو معمول به في أغلب تلفزات العالم ثم ما هذا الاضطراب في التوقيت: إذ يبدو أن الملفات الحوارية دخلت في منافسة مع برنامج الالعاب دليلك ملك فتارة تبث قبله مباشرة بعد الاخبار وتارة أخرى تبث بعد ذلك البرنامج في ساعة متأخرة من الليل وفي يوم عمل تصعب فيه المتابعة إلى ذلك الوقت.

ثم ومع التنويه بالنية الصادقة للتلفزة الوطنية في النهوض بالاعلام باعتبارها قاطرته الامامية وترسيخ ثقافة الاختلاف من وراء تنظيم هذه الملفات الحوارية لماذا تخلت عن البث الحي المباشر وتشريك المشاهدين في الحوارات؟

- لماذا لم يقع استدعاء الوزير باعتباره سلطة إشراف على القطاع على غرار الملفات السابقة للاطلاع على الموقف الرسمي من المصدر وهو غياب شجع بعض المحاورين على الاضطلاع بذلك الدور في حين أنهم يمثلون مؤسسات مستقلة وتحوّلوا في بعض الاحيان إلى ملكيين أكثر من الملك؟

- والسؤال المحير حقا لماذا حشر مائة موضوع في ملف واحد وهي السمة البارزة لمجمل الملفات التي وقع بثها مؤخرا الامر الذي جعلها عسيرة الهضم من قبل المشاهد في حين أن عصر الصورة الذي نعيشه يتطلب السرعة في الايقاع والتدخلات القصيرة في مواضيع واضحة، مبسّطة توصل الرسالة المرجوة إلى المشاهد بذكاء واعتمادا على عنصر الفرجة.

وأغلب تلفزات العالم تخلّت عن ديكور الموائد المستديرة في البرامج الحوارية التي أصبحت أقرب إلى أنموذج الصالون المعبّر عنه بـ التالك شو (Talk show) وأضحت نسب مشاهدتها تنافس أرقى برامج المنوعــــــات!...

- ثم ما هذه اللخبطة في بعض المواقف ففي حين يؤكد أعلى هرم في السلطة أنه لا توجد محرّمات عدا ما ينهى عنه القانون وكامل قوانين الدنيا المنظمة للصحافة وهي الثلب وهتك الاعراض وترويج الاخبار الزائفة اكتشفنا في ذلك الملف أن قائمة الممنوعات والخطوط الحمراء طويلة : الدين - المنظومة الاخلاقية - القوانين - المؤسسات... فهل أن المواجهة الفكرية للفكر الديني المتطرف من الممنوعات... وما المقصود بالمنظومة الاخلاقية وهو مفهوم نسبي متطور في عصر عولمة الاخلاق .. ثم ان المؤسسات تخضع في دولة القانون والمؤسسات إلى التقويم والمساءلة وهو دور تضطلع به دستوريا السلطة التشريعية.

ثم ما رأيكم في جواب أحد المحاورين المنتمي إلى حزب ليبيرالي عندما سأله المنشط: هل تقبلون نشر مقال يدافع عن الاشتراكية في جريدتكم: أجاب بالحرف الواحد: نقبل ذلك لو التزم ذلك المقال بالخطوط الحمراء!..

- آتي إلى قضية الرقابة الذاتية التي يعتبرها البعض أم القضايا التي يشكو منها الاعلام في تونس حقيقة استغربت موقف بعض ضيوف الملف الذين برروا تلك الرقابة واعتبروها عادية اذ أنها تعبر عن الانا والضمير في حين أن الواقع أكد أن تلك الرقابة وكل أشكال الرقابة على الفكر والكتابة هي نقيض للحرية وهي العائق الاساسي الذي يكبّل بعض الاقلام - يقال هذا في الوقت الذي ألغت فيه السلطة كل أشكال الرقابة القانونية وآخرها الايداع القانوني! ويالها من مفارقة!...



Assabah de Tunisie



حـوار عقيـم .. مداخـلات ماضوية تهدد مسار الإعلام




عرضت الفضائية التونسية تونس 7 أول أمس، برنامجا حواريا تحت عنوان : الحدث السياسي، تمت خلاله مناقشة الوضع الاعلامي في البلاد، على خلفية الارادة السياسية المعلنة لتطوير المشهد الاعلامي وتحسين أدائه..


ولا شك أن مثل هذه الحوارات مهمة، بل هي ضرورة حيوية في مجتمع ـ مثل المجتمع التونسي ـ الذي تعود على الحوار منذ بدايات القرن التاسع عشر، أثناء المد الاصلاحي الذي كانت النخب التونسية من بين رواده الرئيسيين في العالم العربي..

لكن هذه الضرورة الحيوية، تستمد كذلك من حاجة المجتمع والنخب والمشهد الاعلامي لمثل هذه الحوارات التي تهم الشأن العام الوطني، وفي مقدمتها الملف الاعلامي، الذي يعدّ أحد أبرز الملفات التي تحتاج إلى النقاش الجدي والعميق والمسؤول في آن معا، بعيدا عن المزايدات أو منطق ليس في الامكان أحسن مما كان ..

غير أن هذا الملف، يثير الكثير من التساؤلات والاستفهامات، سواء في مستوى أسلوب المعالجة، أو مضمون النقاش، أو نوعية الحضور وبالتالي معايير اختيار الضيوف وانتقائهم من بين عشرات بل مئات من الاعلاميين والمتخصصين في الحقل الاعلامي في بلادنا.. ويمكن للمرء أن يسوق في هذا السياق، جملة من الملاحظات الاساسية، التي قد تساعد على تطوير الحوارات التلفزيونية وتفتح النقاش الجدي بشأنها..

ملاحظات شكلية .. مهنية

ــ من حيث الشكل، لا يبدو ان الحاضرين في هذا الملف، مختلفين فعلا حول واقع المشهد الاعلامي.. صحيح أنهم يمثلون بعض الاحزاب والهياكل والمؤسسات الصحفية والمنظمات، لكنهم لا يعكسون بأي حال من الاحوال المشهد الاعلامي في تعدده واستقلالية بعض مكوناته والتباينات التي تشق الفاعلين فيه..

وإذا ما شاء المرء دقة أكثر، يمكن القول إن مواقف أغلب الحاضرين، تعكس وجهة نظر متقاربة عرفت عنهم منذ سنوات عديدة.. من حق هؤلاء وغيرهم أن يتبنوا وجهة نظر ما، لكن تقديم هؤلاء على أنهم يمثلون تعددية المشهد الاعلامي، فيه الكثير من المبالغة وعدم الدقة، فضلا عن كونه اختزال مخل بالمشهد التعددي الفعلي في البلاد..

ــ لم نلحظ حوارا، بما تعنيه هذه الكلمة من اختلافات في وجهات النظر، ومقاربات وتباينات متعددة، بل كان ثمة تعبيرات مختلفة حول وجهة نظر واحدة، يدعم بعضها البعض الاخر ويفسره ويحلله ويناقشه من دون الخروج عليه أو تجاوزه.. إنه دوران في نفس الفلك، كما يقول المثل العربي القديم..

ــ وتبقى الاشارة الاساسية في هذا البرنامج، من حيث الشكل دائما ـ تتعلق بمنشطه الذي لا نعرف عنه معرفة بالشأن التلفزيوني، ولا بالحوار والجدل، خصوصا أن بعض ما حبّره في الصحافة، كان يمثل وجهة نظر محددة، بل إقصائية في بعضها..

ولا نعتقد أن الحوار التلفزيوني يمكن أن يتقدم بتنشيط من هذا القبيل، سيما وأن الرجل يتحدث في البرنامج أكثر من الضيوف، ويطرح عليهم تساؤلات هامشية، بل إنه يقطع الحوار عندما يكون في اتجاه إيجابي، بالاضافة إلى استنباط تساؤلات في غاية الغرابة وتدعو أحيانا إلى الامتعاض، ليس لانها ضد مسار الحوار وسياقه فحسب، ولكن لانها مسقطة وتعكس موقفا من الموضوع المثار، في الوقت الذي يفترض أن يكون المنشط في مثل هذه الحوارات، محايدا.. هذا إلى جانب تلك التعاليق التي يجود بها بين الفينة والاخرى على الحضور، تعاليق استفزازية فيها ـ في بعض الاحيان ـ مساس بحجم الحضور وقيمتهم الرمزية سواء كإعلاميين أو نخبا أو سياسيين..

إن لادارة الحوار في التلفزيون، تقنيات وحدّا أدنى من المهنية، من الضروري مراعاته صلب التلفزيون التونسي، سيما ونحن في عصر الفضائيات والصناعة التلفزيونية التي باتت فيها البرامج الحوارية، صناعة متقنة ودقيقة وليست مجرد ترصيفا للكلام والجمل والمواقف والتعاليق التي لا طائل من ورائها..

ــ لقد كشف هذا البرنامج، أو هو أكد بالاحرى، أن ملف الاعلام مثقل بعديد التراكمات والاشكاليات، بل هو مثل ذلك البنيان المرصوص الذي إذا ما حاولت الاقتراب من أحد أركانه، تداعت لك بقية الاركان وتهاوت أمامك حجرة حجرة، ولذلك كلما حرص البعض إخفاء جوانب معينة من المشهد، كلما أطلت جوانب أخرى أكثر تعقيدا وصعوبة..

لكن الرغبة أيضا في تناول هذه الاشكاليات في ملف واحد وفي توقيت محدود، وبذلك العدد المكثف من الحضور، أسقط البرنامج في نوع من التبسيط والطروحات الهامشية..

جوانب حول المضمون

على أن برنامج الحدث السياسي ، أثار الكثير من القضايا التي لا يمكن للمرء أن يمر عليها نظرا لـ خطورتها الفكرية والسياسية والاعلامية..

ــ فباستثناء السيدين يوسف علوان والعروسي النالوتي اللذي تميزا بكثير من الموضوعية في مداخلاتهما، وأبديا الكثير من الرصانة في مواقفهما، وبالاضافة إلى الزميل الحبيب الشابي، الذي كانت له تدخلات مهمة (عبر الريبورتاج) الذي وقع بثّه، برزت معظم المداخلات بخطاب أقرب للغوغائية منه إلى التحليل العقلاني الهادئ، خطاب ظاهره البحث عن إعلام جاد، وباطنه التأكيد على أنه ليس بالامكان أحسن مما كان ، وأن علينا أن نلعن اليوم الذي جاءت فيه الفضائيات لانها مدسوسة و متطرفة و متخلفة ، وهلم جرا من الاصطلاحات والاستخدامات اللغوية التي تحيل على الرضا بالامر الواقع الاعلامي الراهن على اعتبار أنه الاجود والانفع والافضل حتى قياسا بما هو موجود في الدول المتقدمة (هكذا؟!)..

ــ إن الاعلام دينامكية اجتماعية وثقافية وسياسية، ولا يمكن أن يكون قالبا جاهزا، ولذلك يعجب المرء من مقاربة المدير العام للتلفزة عندما يتحدث عن وجود منظومة إعلامية سليمة في تونس لا مجال للمقارنة بينها وبين ما يجري في إعلام بعض الدول العربية، واصفا بعض التجارب الاعلامية العربية، التي لم يسمها بكونها تعيش على التنفيس ، ومحذرا من خطورة هذا النوع من الاعلام.. وهنا يتساءل المرء بوضوح، عما إذا كان من الممكن أن تعيش بعض الدول على سياسة التنفيس بشكل مستمر؟ ثم أليس بوسع التنفيس أن يراكم تجربة هامة في الاعلام ايضا؟

ــ لقد برزت خلال البرنامج، وجهة نظر تدعو صراحة لنوع من الاقصاء في المجتمع وفي التمثيل التلفزيوني.. وإلا ما معنى رفض التلفزيون تشريك شخصيات متباينة مع الدولة، في الوقت الذي تنص قوانين البلاد على التعددية السياسية والحزبية، وفي الوقت الذي أقدمت الحكومة على الاعتراف ببعض الاحزاب قانونيا وسياسيا؟ هل يمكن تبرير هذا الخطاب الاقصائي بمجرد القول إن الدولة مختلفة مع هؤلاء، أو أن هؤلاء مختلفون حول قيم الجمهورية؟ هل أن المؤمنين بخيار النظام البرلماني ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ لا يمكن أن يكون لهم موطئ قدم في التلفزيون، الذي هو مرفق عمومي، يدفع الناس ـ بما في ذلك هذه النخب ـ من أموالهم لتمويله؟ ثم كيف نفسر دعوة الدولة نفسها وتشريكها لهؤلاء في بعض القضايا والملفات والخيارات الوطنية؟ من الواضح أن ثمة لخبطة واضحة في أذهان البعض بشأن المشهد الاعلامي، لكن الاخطر من ذلك هو تمسك البعض بالاقصاء منهجا في التعامل مع النخب التونسية وبعض المعارضين، في الوقت الذي تبدو الحكومة أكثر انفتاحا وأكثر استعدادا للحوار من المسؤولين على التلفزيون..

ــ يبدو ـ ونتمنى أن نكون مخطئين ـ أن البعض نسي أنه يتحدث أمام الكاميرا في ألفية جديدة، بتحولاتها وتطوراتها وتقلباتها، لان البعض مما سمعنا يحيلنا على فترة الستينيات عندما كان ينظر للمجتمع التونسي على أنه أمّي لا يفهم وليس لديه الوعي السياسي اللازم، وبالتالي لا بد من أن يكون ثمة أوصياء عليه..

لقد كشفت هذه النظرة عن وجود هوة سحيقة بين الخطاب الرسمي الذي ما انفك يدعو للانفتاح والحوار، وبين بعض الحضور ممن لم يستوعبوا بعد، أن التحولات الحاصلة في البلاد منذ ما يزيد عن عشرين عاما، جرفت هذه المقاربات منذ اللحظة الاولى لسقوط الاتحاد السوفياتي وانهيار جدار برلين، بحيث لم يبق منها إلا الذكريات الاليمة وبعض الافكار التي لا تصلح حتى للمتاحف فضلا عن استخدامها وتسويقها إعلاميا بهذه الصورة الفجة..

إن الملف التلفزيوني الذي بثته قناة تونس 7 أول أمس، ينبغي أن يوضع بين قوسين ، لانه يهدد بعض الانفتاح الحاصل في الاونة الاخيرة، وينذر بسلوكيات جديدة، شعارها مزيد من الاقصاء، مزيد من المنع، مزيد من الانغلاق، وهو ما لا ترضاه الحكومة ولا تحتاج إليه البلاد..
صالح عطية



Comments


0 de 0 commentaires pour l'article 12004


babnet
All Radio in One    
*.*.*
French Female