الشيعة بين التنظير والممارسة

بقلم : منجي بن أم هنة (*)
كثُر اللّغط ، و اختلط الحابل بالنابل ، و تكلم من يعلم و من لا يعلم، بين مؤيد ورافض لفتح الباب أمام السياح الإيرانيين لزيارة تونس ، فمنهم المتساهل الذي لا يرى في الموضوع إلا جوانبه الاقتصادية، و المالية و منهم المتحرز الذي لا يرى في المسألة إلا مفسدة يستوجب درؤها و إن كان ظاهرها جلب مصلحة ، و منهم من لا يهتم و لكنه قد يناصر هذا الفريق أو ذاك، فتكثر الغوغاء و يتوه الطريق.

فإذا كانت المصلحة بينة و مفهومة ، ألا و هي دفع القطاع السياحي المنكوب بعد حادثتي متحف باردو و المنطقة السياحية بسوسة على وجه الخصوص، فإن المفسدة لا تبدو جليّة لبعض من يجهلون مخاطر فتح المجال التونسي للمد الشيعي الإيراني ، خاصة إذا كانت سياسة الدولة الإيرانية المعلنة هي نشر التشيّع في كل مكان ، و بأية وسيلة ، و تحديدا بالمناطق المعروفة بوحدة العقيدة و المذهب، على غرار تونس، و هو معطى هام جنّب الثورة التونسية الانزلاق إلى فتنة طائفية على غرار ما تشهده العراق، و سوريا و اليمن، حيث لا تخفى الأيادي و المطامع الإيرانية على أحد ، فما هي عقيدة الشيعة ؟ و ما هو مذهبهم ؟ و ما هي انجازاتهم عبر التاريخ ؟ ثم ما هو انعكاس ذلك على تونس الجديدة ؟
كما هو معلوم لدى كل من يدين بدين الإسلام فإن أركان الإيمان ستَّة و هي الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، لكن الشيعة يزيدون و ينقصون و يقولون خاصة بالإمامة التي بدونها لا يكون الإنسان مؤمنا ، و هي الاعتقاد بإمامة عليّ رضي الله عنه، و ابنيه من فاطمة الزهراء ، الحسن والحسين ثمّ تسعة أئمة من ولد الحسين، من زوجته شهربانو بنت يزدجرد آخر ملوك الفرس ، الذي فتحت بلاده على عهد الخليفة عمر ابن الخطاب.
يؤول الشيعة أركان الإيمان تأويلات ، يخالفون بها أهل السنة و الجماعة في كل شيء ، فهم يعتقدون في أن أصل قبول الأعمال هو الإيمان بإمامة الاثني عشر وولايتهم، فلا يتعلق قبول الأعمال عندهم بتوحيد الله ، بل يعتقدون أن الأئمة هم الواسطة بين الله والخلق، و أن الملائكة خلقوا من نور الأئمة ، وهم خدم لهم ، و يعتقدون أنَّ القرآن الذي بين أيدينا مُحرّف و أن الله أنزل على فاطمة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم مصحفا يطلقون عليه مصحف فاطمة ، و هو الآن بحوزة المهدي المنتظر، كما يعتقدون أن الأئمة يُوحى إليهم، و أنه لولا الأئمة ما خلقت الجنة والنار، أما في مسالة القضاء و القدر فهم يعتقدون اعتقاد المعتزلة في كون أفعال العباد صادرة عنهم وهم خالقون لها من دون الله.
و يعتنق الشيعة عدة مذاهب ، و ينقسمون إلى فرق منها الاثنا عشرية، و الاسماعلية، و الزيدية، لكن أشهرها المذهب الجعفري الإثنا عشري المعتمد اليوم في إيران ، و هو مذهب يقوم على تكفير الصحابة أجمعين و سبهم و لعنهم و اتهامهم بالفسق و الضلال بما في ذلك الشيخان أبو بكر و عمر ، و يقذفون أمهات المؤمنين و خاصة السيدة عائشة، و يلعنوننها على المنابر ، و يزعمون أن كربلاء أقدس من مكة،بل حتى من الكعبة نفسها، و يزعمون أن الأئمة يعلمون الغيب، وأنهم معصومون عن الخطأ والنسيان والسهو، وأن الإمامة أعلى مرتبةً من النبوّة ، و ينكرون السنّة لان رواتها من الصحابة ، كما يعتقدون أن محمدا صلى الله عليه وسلم الذي جاء لإصلاح البشر وتهذيبهم وتحقيق العدالة لم يوفَّق في ذلك ، فالذي سينجح بتحقيق العدالة في كل أرجاء العالَم هو المهديّ المنتَظَر، و هو الإمام الغائب منذ دخل السرداب في أواسط القرن الثالث للهجرة.
كما يمارسون و يسعون إلى نشر نوع من الزيجات الباطلة و يطلقون عليها زواج المتعة ، و هو عقد مؤقت لا ميراث فيه للزوجة، والفرقة تقع بين الطرفين عند انقضاء الأجل، الذي قد يدوم ساعة واحدة، أو يوم واحد، و هو زواج باطل باتفاق أهل السنة و الجماعة ،فهو عبارة عن عملية زنا مقنعة يستعملها دُعاتهم لاستمالة أصحاب النفوس الضعيفة.
و من تمام مذهبهم بناء الحسينيات و تفضيلها على المساجد، لإحياء ذكرى مقتل الإمام الحسين في العاشر من محرّم من كل عام، و يمارسون فيها طقوس الجلد و التطبير ، و هو ضرب الرؤوس بآلات حادة حتى تسيل الدماء، و تدمى الجلود، تعبيرا منهم على ندمهم لعدم نصرة الإمام الحسين.
و التاريخ يشهد عما فعله الشيعة ، فلقد هجم القرامطة ( فرقة تنتمي إلى مذهب الاسماعيلي) على مكة في موسم الحج في أوائل القرن الرابع هجري ، و قتلوا زهاء ثلاثين ألفا من الحجيج في يوم التروية و رموا بجثثهم ببئر زمزم ، و خلعوا باب الكعبة، وسلبوا كسوتها ، واقتلعوا الحجر الأسود من مكانه، واحتملوه إلى البحرين، حيث أبقوه عندهم مدة تفوق عشرين سنة ، ثم أعادوه إلى مكة بأمر من أحد أمراء الفاطميين بعد انتقالهم من تونس إلى مصر .
كما كان للشيعة يد في سقوط بغداد و سقوط الخلافة العباسية فيها، فهم من سهّل دخول التتار ، حيث أغروا هولاكو باقتحام بغداد بعد أن زين ابن العلقمي الشيعي للخليفة العباسي التخلي عن جيش الخلافة ، و قصة هولاكو مع بغداد معروفة، حيث أمر بحرق مكتبتها و إلقاء ما تبقى من الكتب في نهري دجلة و الفرات حتى استحال لون الماء سوادا، و قتل ببغداد و ضواحيها زهاء مليوني نسمة كما تذكره كتب التاريخ .

وقد ازداد الأمر تعقيدا بعد قيام الدولة الصفوية بإيران في أوائل القرن السادس عشر ميلادي ، و ما قاموا به من تدمير المساجد و ذبح عدد كبير من رجال الدين السنة الذين كانوا على مذهب الإمام الشافعي ، و نفي الباقي إلى خارج البلاد ، و لما احتلوا بغداد جعلوا قبر الإمام أبي حنيفة مزبلة . و لقد عرف المذهب الشيعي تطورا خطيرا في ظل حكم الصفويين حيث تم فرض سب ولعن الصحابة ، و ضرب الرؤوس بالسيوف في ذكرى عاشوراء، و إضافة الشهادة الثالثة في الأذان و هي عبارة أشهد أن عليّا ولّي الله ، و السجود في الصلاة على ما يسمى بـالتربة الحسينية، و وضع المبادئ الكبرى لما يُعرف اليوم بولاية الفقيه، و قد عرفت المنطقة صراعا داميا بين الأتراك العثمانيين، و الفرس الصفويين ، تحالفت فيه الدولة الصفوية الشيعية مع الإمبراطورية البرتغالية ضد الدولة العثمانية السنيّة.
و لعل الشيء الذي لا يعلمه عامة التونسيين أن تونس قد ابتليت بفتنة الشيعة خلال حكم الدولة الفاطمية بالقيروان ثم بالمهدية، حيث حمل الحكام الفاطميون سكان تونس ( افريقية) على اعتناق المذهب الاسماعيلي الباطني بالقوة، لكن عند انتقال الدولة الفاطمية إلى مصر،و خاصة في عهد الأمير المعز بن باديس الصنهاجي تزعم الولي الصالح سيدي محرز بن خلف ( حفيد أبي بكر الصديق) حركة إرجاع تونس إلى المذهب المالكي المعتدل، و قاوم الشيعة حتى أجلاهم إلى مصر، فسلمت تونس من ذلك التاريخ إلى اليوم من الفتن الطائفية، بفضل وحدة المعتقد و المذهب ، و اضطلاع جامع الزيتونة بدوره الريادي في إدارة الشأن الديني بالبلاد.
هذه بسطة مختصرة جدا عن حقيقة عقيدة الشيعة و ممارساتهم و تاريخهم، و ما خفي هو أعظم بكثير. و اليوم تعود فتنة الشيعة للظهور من جديد في تونس ، التي قد لا يكون قدوم السياح الإيرانيين أحد تجلياتها، حيث يقيمون مدة قصيرة في النزل و المنتجعات السياحية ثم يعودون إلى بلادهم، و بالتالي فهم لا يمثلون خطرا مباشرا من هذه الناحية، إذا تمت مراقبتهم و منعهم من التدخل في الشأن التونسي، لكن الخوف و كل الخوف من بعض التونسيين الذين بدؤوا بالتنظير لهذا المذهب من جديد، و الدعوة إلى إحياءه بحجة الحق المكتسب في حب أهل البيت و مناصرتهم ، خاصة و أنهم يؤولون ما ورد بالدستور الجديد لصالحهم، حيث يعتبرون ممارسات من قبيل لعن الصحابة، و قذف أمهات المؤمنين، و بناء الحسينيات ، و إحياء يوم النيروز، و إقامة مأتم عاشوراء، والاحتفال بذكرى اغتيال عمر بن الخطاب، و السجود على التربية الحسينية، و الزيادة في الآذان، وزواج المتعة، من صميم معتقدهم ، و يندرج تحت باب كفالة الدولة لحرية المعتقد و الضمير و ممارسة الشعائر الدينية المنصوص عليها بالفصل السادس من الدستور، و يتناسون الجزء الثاني من نفس الفصل الداعي إلى نشر قيم الاعتدال و التسامح، و منع دعوات التكفير و التحريض على الكراهية و العنف و التصدي لها، لكن الشيعة يمتلكون الوسيلة الناجعة للإفلات من ذلك كلّه إلى حين التّمكن ، ثم الظهور ، و هي التّقية و معناها أن يُظهر الشخص خلاف ما يبطن، باستعمال النفاق، والكذب، والمراوغة، والبراعة في خداع الناس، فهي أصل من أصول الدين عندهم ، لا يسع أحد الخروج عنها، وهي تقنية يلجأ إليها الشيعي إذا قدّر أنه في موقف ضعف، ثم يعود إلى إظهار ما أخفى عندما تتاح له الفرصة ، والتقية بكل بساطة تعني الغش و النفاق، و تحتل في المذهب الشيعي منزلة عظيمة، و مكانة رفيعة، دلت عليها روايات عديدة جاءت في أمهات الكتب عندهم.
فما هو رأي المختصين في القانون ، في هذا الفهم للفصل السادس من الدستور ؟ و هل يجوز منع و محاصرة المذهب الشيعي، بوصفه مذهبا يقوم بالأساس على نفي الآخر، و يدعو إلى التكفير و الكراهية،و لعن الصحابة، كما هو حاصل مع أتباع السلفية الجهادية ؟
خبير محاسب (*)
Comments
34 de 34 commentaires pour l'article 117729