الإرهــــاب، تصنعه أيـــادينا

<img src=http://www.babnet.net/images/1a/irhaaab720.jpg width=100 align=left border=0>


عبد الجليل الجوادي

ما زال البعض يعتقد أن الحل الأمني هو الحل الأنجع في مواجهة الإرهاب. هذا الداء العضال الذي بدأ ينخر أوصال الوطن الآمن و يتسلل إليه من كل المنافذ حتى صار الحديث عنه لا يخلوا منه منبر حواري و لا يغيب عن جميع وسائل الإعلام المرئية و المكتوبة على حد السواء. هذا الحل في الحقيقة، تتبناه الجهات الرسمية في بلادنا و على رأسها الحكومة التي ترجمت عن هذا الموقف من خلال الزيادة الهامة المخصصة لوزارة الداخلية التي وصلت إلى نسبة 10 بالمائة من ميزانية الدولة، و أيضا الإنتدابات الهامة في سلكي الأمن و الجيش الوطنيين التي تعد بالآلاف، استعدادا لمواجهة هذا الغول الجاثم على صدورنا و الذي وجد في ضعف الدولة نفقا للتغول أكثر فأكثر.
و أنا إذ أنوه بهذا الإجراء الشجاع و أثمنه من حيث أهمية الجاهزية لأفراد الأمن الوطني عدة و عتادا، و قدرتهم الفنية و التقنية على مهاجمة الإرهابيين في مكامنهم و الخروج من وضعية الدفاع إلى الهجوم و ما يتطلبه ذلك من أجهزة متطورة و تدريب ميداني، فلا يفوتني أن أنبه إلى خطورة الإنزلاق -تحت شعار محاربة الإرهاب- نحو المنظومة السابقة بتكريس دولة البوليس على حساب جميع المكاسب التي جلبتها لنا الثورة، و الرجوع من جديد لمعادلة الأمن في مقابل الحرية. هذا الخوف تبرره في واقع الأمر، تلك الحملة التي خاضها بعض الإعلاميين في بلادنا، عبر سبر أراء مشبوه يصوغ لقبول التنازل عن جزء من الحريات مقابل توفير الأمن و القضاء على آفة الإرهاب. حملة خاضها الإعلام الفرنسي من قبل، فوجدت صداها لدى شريحة واسعة من إعلاميينا تربت على موائد الذل و لم تعتد بعد على العيش بكرامة كاملة و حقوق كاملة، في معادلة جديدة تجمع بين الأمن و الحرية في نفس الوقت. فلا تناقض بين الأمرين و لا تضاد إلا في العقول المريضة.
...


و من جهة أخرى، يجب التذكير لضعاف الذاكرة في هذا الوطن، أن الأمنيين كانوا ذات يوم أداة قمع بيد الطاغية سلطها على كل من عارضه فعاثت فسادا في الأنفس و الأعراض، و ما كانوا أمناء على الوطن و المواطنين. و قبل الزيادة في عدد الأمنيين و تجييشهم و تمكينهم من السلاح، وجب التفكير في تربيتهم على عقيدة الأمن الجمهوري، و تدريبهم على حسن استعمال ذلك السلاح في حماية المواطنين و خدمتهم دون تمييز لا قمعهم و تدجينهم و تركيعهم ضمن مربع الخوف.
و أنا أعتقد في الحقيقة، أن الحل الأمني على أهميته هو حل ترقيعي أو بعبارة أوضح، هو معالجة فوقية لا ترتقي إلى مستوى الإستئصال الجذري لهذا الداء. و إذا اعترفنا أمام أنفسنا بمدى خطورة هذه الآفة، فيجب أن تكون لدينا الشجاعة الكافية لنعترف بما هو أكبر من ذلك. يجب أن نقر على أنفسنا بأننا نحن من نصنع الإرهاب إبتداءا، و نحن من نخلق الأرضية الملائمة لنموه و ترعره فينا.
القمع و التهميش و التمييز السلبي و تجفيف منابع التدين الوسطي، هي الأسباب الحقيقية التي دفعت شبابنا للإنزلاق نحو التطرف الديني و اعتناق المذاهب التكفيرية و ممارسة العنف و التفجير.
أسأل نفسي أحيانا و أنا أشاهد شاشاتنا كل يوم، تطالعنا بصور عن أهالينا في ربوع الوطن المنسي، قد احترقت جلودهم من وهج الشمس و رسمت ظروف الدهر القاسية نقوشا غائرة ترسم الشقاء على محياهم. فلا تكاد تميز أعمارهم. كأنهم من زمان غير زماننا، و كأن عقارب الساعة عندهم تسير بضعف سرعتها عندنا، فتلوح الوجوه قاتمة لا أثر فيها للنعيم سوى بؤس يسربلها. أسأل نفسي. أهؤلاء مواطنون مثلنا أم مجرد أرقام في دفاتر الوطن؟؟؟
حين تكون المواطنة رقما في دفاتر السجل المدني أو بطاقة هوية تثبت الإنتماء إلى وطن يتجاهلنا. و حين تكون المواطنة مشروعا سياسيا لأصحاب الكراسي يتاجرون بها في ندواتهم و يتبجحون بها في خطبهم و يسوقونها وعودا بالتنمية تستجلب أصوات الناخبين. و حين تستحيل المواطنة مادة للتجارة السياسية، تسقط المواطنة و ينتحر على أعتاب الفقر المزمن كل شعور بالإنتماء.
أكان من الحتمي على هؤلاء- أشباه المواطنين- مع ما قدموا و يقدمون من تضحيات من أعمارهم و أبدانهم و مشاعرهم في ظل تجاهل الحكومات المتتالية لهم، أكان عليهم أن يقدموا مزيدا من الدماء و القرابين كي تلتفت إليهم كاميرات الأخبار و تعقد على نخبهم موائد النقاش العقيم؟؟؟؟
و ماذا تنفع دموع السياسيين و خطبهم الجوفاء في إصلاح ما أفسدته أيديهم طيلة عقود من الزمن ،كانوا يخوضون فيها معارك ضارية مع خصومهم و يستعملون في معاركهم كل الأساليب القذرة من أجل دحر من يعارضهم و إخلاء الطريق لمطامعهم و أهوائهم؟ و أين كانت عدسات الأنباء من هؤلاء، حين كانت تصدح في ربوعنا أهازيج الفرحة بالأمن و الأمان و حين كانت تصور لنا تونس على أنها جنة على وجه الأرض بفضل رئيسها الهمام حامي حمى الدين و الوطن؟؟؟
ألسنا نحن من نصنع الإرهاب؟
لقد قالها ابن عم الشهيد مبروك السلطاني في صدق نادر و رؤية واضحة حين تحدث عن شباب منطقتهم و ما يعانون من فقر و بطالة و خصاصة. تحدث عن واقع المعاناة اليومية و عن هشاشة البنية التحتية و غياب التنمية و تجاهل المسؤولين لمطالبهم. و تحدث أيضا عن أن هؤلاء الشباب قد يقعون بين الفينة و الفينة ضحايا تحت إغراء الإرهاب، و يبيعون هذا الوطن الذي باعهم و يشترون أنفسهم بالمال حين رخص ثمنهم و ازدراهم حكامهم.
أذكر هنا قصة عنترة ابن شداد الذي اشتهر بفروسيته و شجاعته و شعره الذي زاحم به فطاحلة الشعراء في عصره. غير أنه كان عبدا أسود، لم تشفع له جميع خصاله عند قبيلته فكان يعامل معاملة العبيد. و في إحدى الغزوات غنمت قبيلته مغنما كبيرا و كان عنترة قد أبلى في تلك الغزوة بلاءا حسنا. و لكن حين توزيع الغنائم، لم يعطوه نصيبا مثل بقية الفرسان لأنه عبد. فغضب عنترة من ذلك و وقع في نفسه من سوء معاملة القوم له. و ما هي إلا ساعة من زمن كرت فيها القبيلة المنهزمة على قبيلة عنترة، فطلب منه سيد القبيلة أن يكر عليهم -أي يهجم عليهم-. فقال عنترة كلمته الشهيرة، إن العبد لا يحسن الكر، إنما يحسن الحلاب و الصر. يعني بذلك أعمال الخدمة. فقال له ، كر عليهم يا عنترة و انت حر. و حينها انتفض عنترة و اعتلى صهوة جواده و أعمل سيفه في رقاب العدو بمعنويات من شعر بانتمائه لقبيلته و بأنه حر فيها سيد في قراره.
إن معالجة الإرهاب تبدأ من هنا. تحقيق الحرية و الكرامة للمواطنين و تمكين مختلف الجهات في فرصتها في التنمية و العناية بالشباب.
هذا الشباب المهمش و المفقر دينيا و المصحر أخلاقيا هو ورقة رابحة بيد الإرهاب. و بدلا من الزيادة في ميبزانية الأجهزة الأمنية، وجب التفكير جديا في تدعيم المؤسسات التعليمية و تمكينها من فضاءات للترفيه و التثقيف و تمكين التلاميذ في المناطق الداخلية من نفس الفرص في التعلم و تمكينهم من و سائل النقل بدلا من هذا الضنك اليومي بالتنقل عديد الكيلومترات مشيا على القدمين.... أيضا و بالتوازي مع ذلك، تخصيص ميزانية هامة لدور الشباب و المنظمات الشبابية و تدعيمها ماديا للإحاطة بأكبر عدد من الشباب. و كذلك العناية بنشر التعليم الديني الوسطي من خلال إعادة الإعتبار إلى مؤسسة جامع الزيتونة العريق و تخصيص منابر إعلامية للعلماء و المشائخ من أصحاب الفكر الوسطي.
أخيرا و ليس آخرا، يجب التأسيس لإعلام هادف. إعلام يدفع إلى التنمية و يشجع على الفعل الإيجابي بدلا من منابر الحوار العقيم التي تؤسس إلى ثقافة التلاعن و التراشق بالتهم و السب العلني. يجب تخصيص منابر للحوار الهادئ المفتوح أمام الجميع دون تمييز بين الجهات. و أن تكون صفحاتنا الأخبارية و شاشاتنا المرئية، مرآة تعكس الواقع دون فضائح و تشهير حتى لا يصبح الشاذ مألوفا و تنخرم القيم و الأخلاق في المجتمع.







   تابعونا على ڤوڤل للأخبار

Comments


8 de 8 commentaires pour l'article 117074

Amel Benyoussef  (Tunisia)  |Mercredi 16 Decembre 2015 à 16h 11m |           
شكرا على المقال و يجب حط علم لكافة الناس بالوقوف ضد هذا الوحش كما وصفته
يجب كل الجهات و المؤسسات باختلاف نشاطها و المنظمات الحط اليد في اليد للتجاوز هذا الوضع المخيف على الشعب التونسي و الشعب العربي ولا يجب التسليط على جهة معينة أو مؤسسة واحدة يجب حماية كل ممتلكات الدولة التونسية و مؤسساتها و في الأخير كلنا تونس و كلنا ضد الإرهاب لن نخاف و لن نحط فاصل بل بنواصل للفوز بالسلام أمال بن يوسف

MOUSALIM  (Tunisia)  |Mardi 15 Decembre 2015 à 20h 26m |           
@Jaloulnet شكرا أخي جلول لباقة الورد وشكرا لمقالك الجميل ويبدو أننا نلتقي في ضرورة تأهيل التعليم الزيتوني وفق المناهج العلمية المتطورة .تحياتي .

Jaloulnet  (Tunisia)  |Mardi 15 Decembre 2015 à 08h 39m |           
السلام عليكم أخي مسالم. الحقيقة أنا تعجبني كثيرا تعليقاتك لما فيها من رشاقة و خفة ظل. و بالنسبة للتعليم الديني الزيتوني، أنا لاأقصد بها أشخاصا بذواتهم و إنما أنا أتحدث عن منهج وسطي معتدل ركائزه سند متصل برسولالله صلى عليه و سلم. و طريقته هي الفقه المالكي بما يعنيه من الإعتدال و الميل للتيسير على الأمة خلافا للمتشددين في هذا الزمن. و أنا أشاطرك الرأي في ضرورة تأهيل التعليم الزيتوني وفق المناهج العلمية المتطورة ما لم تتعارض مع جوهر الدين. و الله
أعلم.

MOUSALIM  (Tunisia)  |Lundi 14 Decembre 2015 à 19h 22m |           
تحية مسائية إلى الجميع ونبدأ بهذا المقال الممتاز والذي يستحق القراءة ولكن المطالبة بإعادة النشاط إلى مؤسسة جامع الزيتونة يبدو غريبا لأن الغلق وقع منذ أكثر من نصف قرن ورواده اندثروا نهائيا وحتى من تبقى من مشائخ أمد الله في أنفاسهم لا يمكنهم التواصل مع شباب اليوم مطلقا ولو تم التواصل فسيكون كارثيا والحل هو مخاطبة القوم بما يفهمون وهو ما يتطلب تدخل عقول معرفية من العباقرة من كل الاختصاصات لصناعة شباب يخاطب بلغة ووسائط عصره حتى تنفذ الرسائل لدماغه
ويقتنع بأهدافها بعد الاستماع لنقده وجداله واعتراضه لأن الشاب المتلقي وهو صامت ولى بدون رجعة .

MSHben1  (Tunisia)  |Lundi 14 Decembre 2015 à 15h 52m |           
الارهاب نتيجة حتمية للعقم العقلي في فهم كنه الخلق و نتيجة لعدم معرفة شخصية الرسول ص و نتيجة لتفسير اعوج للقرآن من المفسرين القدامى و من مشايخ الدروشة الضالين المعاصرين و الغير متعلمين .

انا mshben1.

Njimabd  (Tunisia)  |Lundi 14 Decembre 2015 à 15h 49m |           

* ـ تحليل للوضع:
ما يحدث في تونس من تشدّد و من تطرّف و إرهاب من ناحية ومن ميوعة و انحلال و فساد من ناحية أخرى هو في جزء كبير منه جرّاء التّصحّر الدّيني و تجفيف المنابع و غلق جامع الزّيتونة في عهد بورقيبة و إتباع مناهج تعليمية غريبة عن مجتمعنا و تضيّيق السّبل على المتدينّين في العهدين السّابقين أي عهد بورقيبة و المخلوع و هو ما أعطى نتيجة عكسيّة. إذ لمّا كانت أساليب التّواصل صعبة كان الأمر مستقر بعض الشّيء و لمّا تفتّح العالم على بعضه في عهد الباربول و الأنترنات و
الهاتف الجوال الذّكي صار البحث عن المعلومة و التّواصل سهل جدّا و نظرا للتّصحر الدّيني لدى التّونسي صار فريسة سهلة للإستقطاب و الدمغجة أو اتّباع الغرب و ما ينتجه و ما يمليه إتباعا أعمى.
و إذا أردنا تغيير هذا الوضع تغييرا جذريّا كان لزاما علينا النّظر في الأسباب و إصلاحها إصلاحا عميقا و البداية يجب أن تكون بإصلاح مناهج التّعليم لأنه سينتج رجال المستقبل. أما عن إصلاح المجتمع يكون ذلك بتكليف أيمّة و خطباء و وعّاظ أكفاء ليفقّهوا النّاس في الدّين الإسلامي السّمح و يكسبوهم مبادئ في الشريعة و الفقه و سيرة الرّسول الكريم صلّ الله عليه و سلّم تخوّل لهم أن يقارعوا الحجّة بالحجّة لا بالجهل أو الإقتناع بما يقدّم إليهم دون نقاش.
* ـ مقترح لإصلاح التّعليم في الجانب الدّيني :
1. تكليف معلّمين و أساتذة مختصيّن في الشّريعة يدرّسون أصول الدّين في الابتدائي و الثّانوي.
2. أن يكونوا تابعين إداريّا و بيداغوجيّا لوزارة الشّؤون الدّينية مثلهم في ذالك أساتذة الرّياضة (إن صعب الأمر إداريّا فعلى الأقلّ بيداغوجيّا في مرحلة أولى).
3. ان يكون برنامج التعليم الدّيني مرسوم و متابع من طرف وزارة الشّؤون الدينيّة.
4. تكوين مرشدين و متفقدين في صلب وزارة الشّؤون الدّينية لمتابعة و رسكلة أساتذة و معلّمي الشريعة.
5. أن يكون برنامج تعليم الشريعة ممتدّ على كامل سنوات الدراسة في الإبتدائي و الثّانوي و له ضارب يجعل التلميذ يوليه إهتماما.
6. يجب أن يشمل برنامج التعليم الدّيني في مراحله الأخلاق الفقه العبادات القرآن سيرة الرسول صلّ الله عليه و سلّم.
* ـ مقترح لإصلاح المجتمع في الجانب الدّيني:
1. تكوين أيمّة و وعّاظ و مرشدين أكفّاء
2. الإعتناء بالمساجد و تكليف أيمّة و خطباء أكفاء
3. تكثيف الدروس في المساجد للّتثقيف الدّيني
4. رسكلة الكتاتيب و رياض الأطفال و متابعة برامجهم في الشأن الديني من طرف وزارة الشّؤون الدّينيّة
5. تكثيف الحصص الدّينية في الإذاعات و التلفازات
6. إرجاع التّعليم الزيتوني إلى سالف نشاطه

Ben Djraad  (Switzerland)  |Lundi 14 Decembre 2015 à 12h 28m | Par           
شكرًا على المقال الواقعي جدا🇹🇳👍🇹🇳👍🇹🇳👍🇹🇳👍

Mandhouj  (France)  |Lundi 14 Decembre 2015 à 12h 14m |           
حملة إستمرار التصويت لسامية عبو :
لا ديمقراطية بدون متابعة و مراقبة ديمقراطية .
خلال هذ السنة النيابية 2015 سامية لعبت دور إيجابي جدا .
فهي تستحق أن تكون شخصية هذا العام 2015 .
إنتصر للديمقراطية و صوت لسامية عبو .


babnet
All Radio in One    
*.*.*