الاعلام ''البندير'' و الافراط في التفكير؟

أبو مـــازن
الافراط في التفكير .. ! ! أضحت تهمة العصر التي يدان بها شباب او كهول لمجرد صناعة أو اختراع لم تحصل مسبقا على تراخيص ولم تأوها مؤسسات بحثية أو تعليمية. هي صفعة للموديل النمطي للهندسة والبحث حسب ما يروجه الاعلام والمواقع الاجتماعية لاسيما وهم يؤكدون على غياب الشهائد و التكوين على المفرطين في التفكير رغم براعتهم و حذقهم لما يقومون به. هنا يتساءل المواطن البسيط، ماذا عسانا فاعلون بكليات الهندسة و جموع التلامذة المهندسين والمتخرجين الجدد وهم لا يصنعون شيئا يذكر ولا يرتقون لمستوى الابداع؟
تخدعك الكاميرا لتنقل ايك صورة اختراع ... صاروخ ، طيارة، ...أي شيء وهو لم يتجاوز مستواه الاعدادي أو الثانوي. يعلمك الموقع الفولاني أنه حصل على المعلومات عبر الانترنات فاستخرج التصميم و المقاسات وانطلق في الانجاز، بينما يكتفي مهندسونا المتخرجون ببعض الحسابات أو الآلات البسيطة ليتحصلوا على ديبلوم الهندسة. هذه مغالطة يبرع الاعلام في تمريرها لنشر اليأس والفشل في جيل أهلكته سنين العهد الجديد الذي منحهم الامتياز في كل شيء وهم في الواقع لا شيء. ارتفعت الاعداد المسندة و كثرت الدروس الخصوصية جدا و ضاعت برامج التعليم بعد أن فعلت فيها الأيادي الآثمة فعلتها.

قد يكون مخترعك المزعوم أيها الاعلام المغرض مقلدا يتّبع وصفة تصميم بحذافيرها وقد يكون مجرد هاو للتجارب تفشل مرات وتنجح مرة واحدة، ولكن هذا الأمر لا يبني حضارات الدول والمجتمعات اذ انصرفت جلها الى التكوين الأكاديمي الصحيح و الجاد حتى تنهض و ترتقي الى مستويات مرموقة بين الدول المصنعة. كذلك كان الحال للعديد من دول آسيا الشرقية، بعضها كان تائها في الحروب والمجازر الأثنية وبعضها حديث عهد بالاستقلال كحال بلادنا ولكنهم آمنوا بقدرة الشعوب في تقرير مصيرها. ذاك المصير الاجتماعي والاقتصادي و التكنولوجي و البيئي و غيرها من المرادفات التي جعلت اليابان وكوريا وماليزيا وسنغافورة و اندونيسيا و الفيتنام من الدول المصنعة والمصدرة للتكنولوجيات الحديثة.
الافراط في التفكير قد تجر في تونس الى ادانة قضائية و بضع أيام في المرناقية و قد يقتات منها الاعلام الفارغ الذي يهرع لمثل هذه الحوادث ليصب الزيت على النار فيدعو زيدا بالتفكيري التكفيري و يسمي عمرو بالمخترع الهمام ثم يربط ضعف انتاجنا العلمي بالتخاذل و شهرية المسمار في حيط و غيرها من المرادفات التي تزيد من حدّة تأخرنا عن الحضارات و تنقلنا الى هوة الحمقى المستهلكين للغث والسمين دون علم و حسن تكوين.
لعل مراجعة جذرية لبرامج التكوين العلمي والبحثي في مؤسساتنا التعليمية و الجامعية و تأطير هواية الابداع و الاختراع في برامج حقيقية بتمويل من المجموعة الوطنية وفق أهداف و مخرجات محددة. فلا يراها الجامعي سرابا بل تكون فعلا واحة يرتادها أهل النبوغ العلمي والبحثي فتصقل المواهب و يؤطّر التقليد فتتطور الصناعات وفق الاحتياجات و تلبى عديد الطلبات بآلات تونسية صنعها أبناء هذا الوطن.
Comments
11 de 11 commentaires pour l'article 117009