الحج الى المغيلة

أبو مــــــازن
قد لا يعرف بعض أو أغلب أهل البلد و سكان العاصمة والسواحل جبال المغيلة التي تحوي محمية وطنية و جمالا طبيعيا أخاذا يسرّ العيون و يشرح القلوب. تتمركز هذه المنطقة في السباسب التونسية على مقربة من مراكز عدد من المعتمديات، فهي تتوسط منطقة تشمل كل من جلمة و سبيبة وحاجب العيون وسبيطلة، وهي لا تلامس الحدود الجزائرية و لا تقع على تماس الشعانبي فهي مبدئيا آمنة يتخذها الباحثون عن سحر الطبيعة مزارا والرعاة مخزن علف لحيواناتهم و مواشيهم.
منطقة المغيلة المنسية في التاريخ والجغرافيا والتي لم تعبد لها الطريق الريفية و لم يبنى لها مركز الصحة الأساسية ولا تصلها حافلات نقل الركاب بل تجري في سبلها الريفية بضع شاحنات خفيفة تستعمل لنقل الأشخاص والحالات الاستعجالية وللتموين ولكل حاجيات الجهة. ذلك هو عمق الأرياف التونسية الباقية على حالها منذ ثورة الشهيد علي بن غذاهم حيث لم ينصفها الاستعمار اذ كانت تحوي جيوب المقاومة و لم تنصفها دولة الاستقلال بعهديها الأول والثاني ولم تنصفها الثورة اذ بقيت على هامش الداخل التونسي تعاني الأمرين.هذه الجبال المتروكة والمحمية المهجورة كانت وكرا للارهاب و مرتعا لجرذان كتيبة العدوان ولكن منذ متى؟ الله أعلم.
لم يعد الشعانبي أعلى قمم تونس الخضراء الذي كرهنا سماع اسمه لمّا قُرن بالموت والذبح والقتل مجالا متفردا للارهاب بل أضيف اليه اليوم جبل المغيلة الذي كان مسرحا لعمليات عسكرية نوعية و اصطياد لعدد من الارهابيين الذين أرهبوا سكان الجهة و نغصوا حياتهم. لقد كان وقع استشهاد الرعي المبروك السلطاني رحمه الله كوقع الصاعقة على كامل أهل البلد بمختلف جهاتهم لبالغ الأثر والحزن الذي أصاب الجميع. كل يبكي ليلاه، فالأغلبية التي تعيش هشاشة الاستقرار تخشى الفوضى و الزوالي عموما يخشى أن يخسر قفته بعد أن خسر ما فيها و السياسي يخشى خسارة أصواته التي كسبها أيام الانتخابات و المنظمات والمجتمع المدني يخسر بصيص الحرية التي استقر في آنية الثورة ولم يسكب منها.
الحل كان بسيطا و اعتباطيا كالعادة : الحج الى المغيلة جماعات وأفراد وتعزية العائلة المكلومة في ابنها و كتابة أسطر النثر والشعر و تبادل صور الشهيد وعائلته على الفايس بوك والمواقع الاجتماعية لأيام ثم يعود الجميع الى شواغلهم اليومية. الحج شمل أهل السياسة الفائزين في الانتخابات والخاسرين فهناك من زار منذ اليوم الأول لمّا اشتهر الخبر وفيهم من قدم بعد صراع مع الخوف والتأفف ولكنه كان يأمل في أرقام الزرقوني أن ترتفع بالنسبة اليه. قدم أيضا بعض أهل نوبل الذين يهمّهم هذا الشأن من قريب فلعلهم يجتنبون ألسن الاعلام اللاذع. قدم بعض أعضاء الحكومة لأن الواجب يقتضي ذلك لكن التأخير الذي وقع في الاتصال بأهل الشهيد كان أمرا معيبا ومدعاة للحنق لولا تفهم الطرفين والسعي لتطويق الاشكال.
السؤال الحارق و المطروح اليوم : هل حج المغيلة يكون كالركن الخامس مرة في العمر أم أن عمرات وحجات ستتوالى لانقاذ هذا الركن الضائع من أرض تونس في غياهب الماضي. هل سيجني اهل المغيلة وسكانها من هذا الزخم الاخباري و الاعلامي بضاعة من الحضارة والبنية التحتية فيترحمون على روح الشهيد وينتفون الارهاب من هذا الجبل ومن غيره من الجبال. الخوف كل الخوف أن يكون حج المغيلة مجرد مناسبة تدافع فيه أهل السياسة والقرار يوما ما و سيدخل عالم النسيان كما وقع للروحية و لسمامة و غيرها من المناطق التي اشتهرت أيام كانت مسرحا للارهاب و ربما لا زالت على ذلك. رحم الله الشهيد الراعي الفتى و أسكنه فراديس الجنان سواء نال أهله من بعده بحبحة من العيش أو بقوا على حالتهم تلك، ورحم الله شهداء تونس من القوات المسلحة الذين يستجيبون للواجب و يقارعون بنادق الارهاب بأسلحتهم فيقع من يقع منهم شهيدا ويعود من يعود منتصرا.
Comments
5 de 5 commentaires pour l'article 115329