الحج الى المغيلة

<img src=http://www.babnet.net/images/1b/jbelmghilaaaaa1040x.jpg width=100 align=left border=0>


أبو مــــــازن



قد لا يعرف بعض أو أغلب أهل البلد و سكان العاصمة والسواحل جبال المغيلة التي تحوي محمية وطنية و جمالا طبيعيا أخاذا يسرّ العيون و يشرح القلوب. تتمركز هذه المنطقة في السباسب التونسية على مقربة من مراكز عدد من المعتمديات، فهي تتوسط منطقة تشمل كل من جلمة و سبيبة وحاجب العيون وسبيطلة، وهي لا تلامس الحدود الجزائرية و لا تقع على تماس الشعانبي فهي مبدئيا آمنة يتخذها الباحثون عن سحر الطبيعة مزارا والرعاة مخزن علف لحيواناتهم و مواشيهم.




منطقة المغيلة المنسية في التاريخ والجغرافيا والتي لم تعبد لها الطريق الريفية و لم يبنى لها مركز الصحة الأساسية ولا تصلها حافلات نقل الركاب بل تجري في سبلها الريفية بضع شاحنات خفيفة تستعمل لنقل الأشخاص والحالات الاستعجالية وللتموين ولكل حاجيات الجهة. ذلك هو عمق الأرياف التونسية الباقية على حالها منذ ثورة الشهيد علي بن غذاهم حيث لم ينصفها الاستعمار اذ كانت تحوي جيوب المقاومة و لم تنصفها دولة الاستقلال بعهديها الأول والثاني ولم تنصفها الثورة اذ بقيت على هامش الداخل التونسي تعاني الأمرين.هذه الجبال المتروكة والمحمية المهجورة كانت وكرا للارهاب و مرتعا لجرذان كتيبة العدوان ولكن منذ متى؟ الله أعلم.
لم يعد الشعانبي أعلى قمم تونس الخضراء الذي كرهنا سماع اسمه لمّا قُرن بالموت والذبح والقتل مجالا متفردا للارهاب بل أضيف اليه اليوم جبل المغيلة الذي كان مسرحا لعمليات عسكرية نوعية و اصطياد لعدد من الارهابيين الذين أرهبوا سكان الجهة و نغصوا حياتهم. لقد كان وقع استشهاد الرعي المبروك السلطاني رحمه الله كوقع الصاعقة على كامل أهل البلد بمختلف جهاتهم لبالغ الأثر والحزن الذي أصاب الجميع. كل يبكي ليلاه، فالأغلبية التي تعيش هشاشة الاستقرار تخشى الفوضى و الزوالي عموما يخشى أن يخسر قفته بعد أن خسر ما فيها و السياسي يخشى خسارة أصواته التي كسبها أيام الانتخابات و المنظمات والمجتمع المدني يخسر بصيص الحرية التي استقر في آنية الثورة ولم يسكب منها.
الحل كان بسيطا و اعتباطيا كالعادة : الحج الى المغيلة جماعات وأفراد وتعزية العائلة المكلومة في ابنها و كتابة أسطر النثر والشعر و تبادل صور الشهيد وعائلته على الفايس بوك والمواقع الاجتماعية لأيام ثم يعود الجميع الى شواغلهم اليومية. الحج شمل أهل السياسة الفائزين في الانتخابات والخاسرين فهناك من زار منذ اليوم الأول لمّا اشتهر الخبر وفيهم من قدم بعد صراع مع الخوف والتأفف ولكنه كان يأمل في أرقام الزرقوني أن ترتفع بالنسبة اليه. قدم أيضا بعض أهل نوبل الذين يهمّهم هذا الشأن من قريب فلعلهم يجتنبون ألسن الاعلام اللاذع. قدم بعض أعضاء الحكومة لأن الواجب يقتضي ذلك لكن التأخير الذي وقع في الاتصال بأهل الشهيد كان أمرا معيبا ومدعاة للحنق لولا تفهم الطرفين والسعي لتطويق الاشكال.
السؤال الحارق و المطروح اليوم : هل حج المغيلة يكون كالركن الخامس مرة في العمر أم أن عمرات وحجات ستتوالى لانقاذ هذا الركن الضائع من أرض تونس في غياهب الماضي. هل سيجني اهل المغيلة وسكانها من هذا الزخم الاخباري و الاعلامي بضاعة من الحضارة والبنية التحتية فيترحمون على روح الشهيد وينتفون الارهاب من هذا الجبل ومن غيره من الجبال. الخوف كل الخوف أن يكون حج المغيلة مجرد مناسبة تدافع فيه أهل السياسة والقرار يوما ما و سيدخل عالم النسيان كما وقع للروحية و لسمامة و غيرها من المناطق التي اشتهرت أيام كانت مسرحا للارهاب و ربما لا زالت على ذلك. رحم الله الشهيد الراعي الفتى و أسكنه فراديس الجنان سواء نال أهله من بعده بحبحة من العيش أو بقوا على حالتهم تلك، ورحم الله شهداء تونس من القوات المسلحة الذين يستجيبون للواجب و يقارعون بنادق الارهاب بأسلحتهم فيقع من يقع منهم شهيدا ويعود من يعود منتصرا.




Comments


5 de 5 commentaires pour l'article 115329

Essia  (Tunisia)  |Lundi 16 Novembre 2015 à 13:08           
وكعادة أبي مازن... والشيء من مأتاه لا يُستغرب...
مقالة رائعة وأروع ما فيها عنوانها
وكمثيلاتها "الاتحاد يحرّك أسطوله"

KhNeji  ()  |Lundi 16 Novembre 2015 à 09:07           
هناك أيضامن يحج الى باريس

Tahrir  (Tunisia)  |Lundi 16 Novembre 2015 à 07:43 | Par           
مقال ممتاز نقل واقعا بما فيه ، ولكن الحلول لم تكن واقعية في معظمها لان الديمقراطية ونظامها مبنية علي اساس الاستثمار في الزوالي. وعليه فالزوالي هو الذي يتكفل بحماية سيده الغني والسياسي والمفكر والباندي ووو . فالحل هو تفريك هذا النظام ثم العمل علي تغييره

MOUSALIM  (Tunisia)  |Lundi 16 Novembre 2015 à 05:40           
تحية صباحية إلى الجميع ونبدأ بهذا المقال الممتاز للكاتب المتميز على الموقع .وبصراحة تعفنت العلاقة بين الطبقة السياسية والطبقة الشعبية فهما فريقا دربي وخطان متوازيان لا يلتقيان إلا في مفترق الإنتخابات فمناطق أهالينا التي تحتفظ بملامح القرون الوسطى وتحولت لمحميات طبيعية لسكانها تفتقر لشخصية الفاروق عمر ابن الخطاب حتى يطهو معهم وجبة تقي الجوع وتحافظ على البقاء فوق سطح الكوكب ويعبد لهم الطريق مخافة يوم الحساب ولما لم يعبد الطريق الذي أودى ببغلة على
الأرض .ذاك الزمن وإلى وقت قريب كانت التعازي والمواساة بالأحضان تنبع بكل الصدق أما اليوم فالمشاعر -إن كانت بالفعل مشاعر -فهي تونقل عبر الحاسوب واللوحات والهواتف الذكية مجردة من كل المشاعر الحميمية بين الانسان وأخيه الإنسان وإن تنقل إضطرارا فمرفوقا بالعدسات وجوبا بعد أن تحولت الصورة لكاميرا خفية تضحك على الجميع لتنصب نكرة في أعلى منصب للدولة لمجرد صورة في مطعم الكفتاجي وليتدافع جل السياسيين على المطاعم والمقاهي الشعبية لأخذ صورة لكن أصحاب هذه
الصور تناسوا فرصة الشهيد في المغيلة .والسؤال الحارق هل يتعض شعبنا الطيب من هذه الدروس عند وقوفه أمام الصندوق .فيه أمل لو ذكرنا باستمرار الشعب بخداع السياسيين له على مدار الساعة فالذكرى تنفع المؤمنين .

Bil Ben  (Tunisia)  |Dimanche 15 Novembre 2015 à 23:42 | Par           
Article Très bien pensé, très bien dit, très bien rédigé et très bien transmis. Vous êtes académique. .. شكرا لك يا سيد ابو مازن


babnet
All Radio in One    
*.*.*
Arabic Female