بلاد العرب اوطاني

بقلم حامد الماطري
بلاد العرب اوطاني... من الشّام، لبغداد... و من مصر الى يمنٍ، و من نجدٍ لتطوان...
بلاد العرب اوطاني... من الشّام، لبغداد... و من مصر الى يمنٍ، و من نجدٍ لتطوان...
كم ردّدنا هذا النشيد صغارا ً.. و كم كنا نجهل ان مثل هذه الأناشيد ستعرف يوما نتحقق فيه من صدق ما نردّد من شعارات...

اليوم يقول السّوريّون: بلاد العرب اوطاني، و نحن نعيش في المخيّمات، و على قارعة الطريق، و على سفوح الجبال...
بلاد العرب اوطاني، و نحن نصطدم امام الأبواب الموصدة، و الوجوه المكفهرّة، و النّظرات المشمئزّة، فلا نجد من اخوة الأمس من يرحم عزيز قوم ذلّ وضاقت به السّبل...
بلاد العرب اوطاني و لكننا ندير لها أظهرنا غير مأسوف عليها، و نقصد الغرب الكافر و الإمبريالي و هو الوحيد الذي لم يجنّد عساكره ليطردونا من على اعتابهم كما يفعل غيره..
بلاد العرب اوطاني، و لكن جثث أطفالنا تتكدّس بلا حراك مختنقة في صناديق الشاحنات، و تطعم الأسماك في قاع البحر او تتعفّن على شواطئ العرب...
بلاد العرب اوطاني، و لكننا لم نجد فيها من يرأف بانسانيّتنا الشّهيدة، فلفظونا كما يلفظ العفن و نحن منا الطبيب و منا المهندس و الشاعرة و المعلمة، لولا الزّمن الغدّار...
لفظنا العرب فأخترنا بلاد الغرب و ان كان الموت يترصّدنا على كلّ خطوة، فتحت أنقاض منزل او أشلاء قنبلة في بلادنا، او في زورق تائه في عرض البحر، تعدّدت الأسباب و الموت واحدة. لنا الكرامة و الأمل، او على الأقلّ شرف المحاولة...

اما أنتم يا بني وطني من عرب، شكرًا لكم، فقد علّمتمنوا الا نصدق ما تقوله الأناشيد، اننا كنّا حالمين الى حدّ السذاجة... و كونوا على يقين اننا سنعلّم من سيتبقّى من
أبناءنا أناشيد اخرى، و قيما اخرى، علّهم يكونون أقلّ سذاجة ممّا كنّا...
أمّا من لم يعجبه كلامي فليجبني عن سؤال بسيط:
لماذا لم تفتح تونس ابوابها لاستقبال العائلات قبل ان يحكم عليها بان تقضي في زوارق الموت التي انطلقت من ليبيا؟
لماذا أصبحنا نعامل السوريين اللاجئين و كأنهم موبوئين او حاملين لعدوى الجرب؟ لماذا تجاهلنا المأساة؟
أهو الخوف من الإرهاب؟ كذب و بهتان، فقد كانت ولا زالت حدودنا مفتوحة على مصراعيها امام الليبيين منذ الثورة، و يعبرها الثوار وكتائب القذافي و كذلك اليوم يعبر من يعبر دون رقيب...
ربّما لان السوريين لا يحملون الأموال رززاً حتى يسيل لها لعاب الجميع، حكومة و شعبا، فتفتح لهم الأبواب و تفرش لهم الصحراء وردا...
لا توجد سياسة او تموقعات هنا، فالغرقى أطفال لم يفهموا بعد ماذا حلّ بجنّتهم حتّى استحالت جهنّم لا يطاق فيها عيش...
استحي و انا ارى السوريّون في محطّات القطار و الشوارع و القفار، من تركيا وصولا الى ألمانيا، فيما نحن نتبادل صور الأطفال الغرقى و نتنهّد لبرهة و تتظاهر بالأسى و نقول لأنفسنا بأن ما في اليد من حيلة، و كأنّ ما يحدث هو في نيكاراغوا او في فيتنام، و من ثمّ نمرّ سريعا لتبادل صورنا في النّزل و المنتجعات، او تعليقاتنا حول مقابلة الليلة...
تدمع عيني خجلاً و ألماً و انا أتخيل أرواح الأطفال التي تسري فوق مياه المتوسّط تسألني يوما اذا التقيتها: ماذا فعلتم من اجلنا؟
Comments
18 de 18 commentaires pour l'article 110908