المنابرفي تونس ،،، الرّسالة التي يُرادُ تهميشها

<img src=http://www.babnet.net/images/5/mosquee.jpg width=100 align=left border=0>


منجي بـــاكير (*)

يحتلّ المنبر المكانة المتميّزة في حياة المسلمين و يُعتبر ضرورة قائمة لتعليم الأمّة و توجيه أفرادها و تربيتهم في كلّ عصر ، و هو قلب الأمّة النّابض و لسانها النّاطق و منارتها وسط كلّ المستجدّات و الحوادث سواء المحلّية أو العالميّة ، كما انّه الأداة الفاعلة لإرجاع الأمّة الإسلاميّة للجادّة و ردّها إلى الطريق القويم وسط متغيّرات الحياة وتنوير العقل المسلم و إرشاده إلى قيم الدّين الصّحيحة و إجلاء البدع و المحدثات . فالمنبر في حياة المسلمين يمثّل إبرة الإتّجاه التي تعدّل من سلوكاتهم و معاملاتهم سواء البينيّة أو مع غيرهم ممّن يعايشونهم ، و يصفّي مَعين العقيدة ليجلي ما علق بها من ترّهات و اختلاقات ...

و المنبر عند أمّة الإسلام بحكم تواتره أسبوعيّا فهو يرصد من قريب حياة النّاس ، يستشعر همومهم ليبيّن ما غمض ، يقوّم ما اعوجّ و يذكّر بما نُسي ، و يعيد كلّ ما أشكل و غمُض على عامّة المسلمين و خاصّتهم إلى كتاب الله و سنة رسوله و إلى ما أجمع عليه سلف الأمّة و علماءها في كلّ مناحي حياة المسلمين التعبّديّة ، الإجتماعيّة ، الإقتصاديّة و السّياسيّة .




و لتكتمل رسالة المنبر و تثبت فاعليّته لابدّ من أن يكون القائمون عليه من أهل الإختصاص و الخبرة و العلم الواسع و غزارة المعرفة و على قدر كبير من البلاغة و وسْع إطّلاع على العلوم المدنيّة مع ضرورة التحيين الفوري و التّمكّن بنواصي العلوم الشرعيّة ، كما أنّ استقلاليّة من يعتلي المنبر ضرورة واجبة ، استقلايّة عن التعبيّة لأي حزب أو مذهب بعينه و أن يكون في براءة من أيّةّ ضغوط أو توجيهات مباشرة من هياكل الدولة الرسميّة ، بمعنى أن يكون في حلّ من أيّ ولاء إلاّ لله و لرسوله و للمؤمنين ، و كذلك كان في العصور الذّهبيّة من التاريخ الإسلامي و كان – أمرا طبيعيّا – لا إشكال فيه ..

هـــــــــــــــــذا المنبر في البلاد التونسيّة مرّ بعقود من الإنحطاط – إلاّ ما رحم ربّي – العقود الأخيرة التي تميّزت بالتجهيل و التغريب فانحرف المنبر عن رسالته السّامية و زُجّ به في متاهات و كُبّل بولاءات للحكّام ، كما عُزل عنه أهله و عُوّضوا بدخلاء عديمي العلم ، فاقدي القُدرة و ربطوهم بهياكل الدّولة تحت مراقبة الدّاخليّة كما ألزموهم بقوالب جاهزة للخطب محصورة في بعض الأحكام التعبّديّة و الأخلاقيات ، ومنهم من بلغ به جهله أو أجبرته توجيهات النّظام و زبانيته من سدنة التجمّع الفاسد بأن انتصب على المنبر مسوّقا لهذا النّظام و لمناقبه ( التي يدين بها هو المتمعّشين ) و داعيا إلى شدّ أزر – حامي الحمى و الدّين – و ضرورة التبرّع إلى صندوقه الأسود 26/ 26 ) و توأمه جمعيّة حرمه ...

من بعد الثورة و كما كلّ منابر الكلمة و قطاعات الرأي و مع رجوع حقّ حريّة التعبير إلى المواطن فإنّ المنبر استعاد هو الآخر هذه الحريّة ، حريّة كانت ضعيفة برغم ضرورة الأولويّة التي يستحقّها تجاه شعب عربي مسلم اختطفته سنوات الدكتاتورية و حكم البوليس من حاضنته العربية الإسلاميّة لتلقي به في أحضان التغريب و العلمانيّة ، حريّة كانت ببوادر من أئمّة و دعاة أخذوا على عاتقهم واجب الإصلاح و النّهوض بالرسالة المنبريّة بتحيين و ردّ الإعتبار للخطاب الديني و توجييه نحو الوجهة الصّحيحة ،،،
لكنّ النزعة التغريبّية التي تندسّ في كثير مفاصل القرار تنمّيها توجيهات إعلاميّة خرقاء احترفت منذ كثير من الوقت و بوقع متسارع ، احترفت مهاجمة الدّعاة و الأئمّة و تلفيق التّهم لهم جزافا في محاولات متكرّرة و يائسة لتشويههم ، أئمّة شهد لهم القاصي و الدّاني بأنّهم إعتداليون ، يجارون فقه الواقع و يحاربون التنطّع و الإرهاب ...
إنّ ما يقع ما هو إلاّ رغبة - مُوَجّهة – و مقصودة لوأد كلّ نَفَس حرّ و لإقصاء الخطاب الديني المتحرّر من جبّة السّلطة ، الخطاب النيّر الذي يرتقي بالفرد و الجماعة و يلامس حقائق الأشياء ، خطاب واعي و صادع بالحقّ بلا مواراة و لا مجاملات .
على الأئمة ( الشرفاء و الربّانيين ) مواصلة النهج الإصلاحي و تحيين الخطاب الدّيني و كذلك الرّجوع به إلى معين الإسلام الصّحيح بمرجعيّة الكتاب و السنّة . كما يمتدّ واجبهم أيضا إلى تبيان الحضور الفعلي لتعاليم الإسلام في كلّ مناحي الحياة و في كلّ مستوياتها ، و أنّ على المسلمين استشعار حمل لواء الدّعوة بالتي هي أحسن على منهاج النبوّة و أنّهم معنيّون بخدمة هذا الدّين بالنّجاح في الصّنائع و العلوم و التكنولوجيا و الأخذ بناصية أسباب الرقيّ و العزّة و نشر الإسلام و الدّعوة إليه لا بالتنطّع و اعتماد التنظيرات المتطرّفة التي ليست من الدّين في شيء و هو منها براء .

الرسالة المنبريّة ، رسالة جامعة لها شرف لا يناله إلا من قدّرها حقّ قدرها و قام لها مقامها داعية و مصلحا ، داعيا إلى الخير و الصّلاح و حاثا على التآزر ،، و مصلحا منكبّا على هموم مواطنيه و معالجا لإخلالات .
كما أنّ هذه الرّسالة ضروريّة لتربية الفرد و صياغة مجتمع صالح يؤسّس لحياة كريمة و مستقبل آمن . و من هنا تأتي هذه الضرورة في خضمّ تلاطم أمواج الإغتراب و التفسّخ من جهة و تنامي التطرّف و الإرهاب من جهة أخرى .

(*) كاتب صحفي


Comments


12 de 12 commentaires pour l'article 110199

UhibTunis  (Saudi Arabia)  |Samedi 15 Août 2015 à 11:04           
مقال رائع. جزاك الله خيرا.
مع العلم و ان كل مقال لا يعجب درة من ايطاليا يكون رائعا و فيه خير لبلادنا

Hosni  (Canada)  |Vendredi 14 Août 2015 à 18:36           
N'est-ce pas ce même Mongi Bakir qui faisait l'apologie des imams extrémistes qui incitent à la haine et à l'extrémisme.

Hosni  (Canada)  |Vendredi 14 Août 2015 à 18:23           
خرفي ياعيشة خرفي البلدان المتقدمة هي التي لا منابر لها وعوضت
المنابر بالمكتبات

Un autre qui veut nous faire reculer 2 siècles à l'arrière!
Je ne dirais pas qu'il n y a rien de bon dans ce que disent les imams dans les mosqués, mais ces mosqués ont servi et servent encore comme des outils de propagande aux islamistes.
L'éducation est le rôle de l'État et non des mosqués.

Mandhouj  (France)  |Vendredi 14 Août 2015 à 12:06           
في اطار العلمانية العربية ، المنبر ليس له وجود إجتماعي ، و لا سياسي .
لأن الأمر يعتبر إنقلاب على الدولة ، دولة الدكتاتور ، دولة الفكرة الواحدة ، التي ليس من استطاعتها إدارة العملية الديمقراطية داخل المجتمع .

Antar Ben Salah  (France)  |Vendredi 14 Août 2015 à 11:26 | Par           
@Dorra .....bravo aujourd'hui ton commentaire est sincère et juste t'as fait parler ton coeur où c'est ta conscience qui a prie le dessus .

Srettop  (France)  |Vendredi 14 Août 2015 à 10:33           
ما يأس المشتاقون إلى الخلافة في صراعهم.

Mavb2013  ()  |Vendredi 14 Août 2015 à 10:33           
بالله قرعلى رأي وأنت كأم البوي لونك يتبدل حسب الآحداث

Dorra  (Italy)  |Vendredi 14 Août 2015 à 10:25           
نحن جميعا نعلم ان المنبر و الامام و الخطيب ما هو الا دمية في يد الحاكم ، فهو اداة للسلطة و الدليل انك ترى الائمة يجملون نظام بني سعود في السعودية و عبد الله في الاْردن و الصباح في الكويت و كل امام و منبر لا يعدو ان يكون بوق دعاية للسلطان ،
يا سي منجي في تونس عشنا هذه التجربة التي كان فيها المنبر و الامام و المسجد ما هو الا خلية حزبية للسلطة ففي عهد بورڤيبة مجدت بورڤيبة و في عهد الزين كانوا يدعون الى الزين و في عهد النهضة تحولت المساجد بين عشية و ضحاها الى اْبواق دعاية اخوانية لهذا المنبر لا يعدو ان يكون وسيلة دعاية لمن بيده السلطة و نفس المنبر في نفس المسجد في نفس الحي في نفس المدينة بتغير لونه كالحرباء بتغيّر السلطان
لهذا المنبر الوحيد هو الدستور و القانون الذي لا يعلو عليه حاكما او سلطانا اذا عملنا على احترام الدولة المدنية و مؤسساتها و تكريس الديمقراطية الحق كما فعلت باقي شعوب العالم التي تنعم في الرقي و الرفاهة بعيدة على التطرف و القتل و الفتنة و على توظيف الدين في السياسة و المتاجرة بالمقدسات

AbouFATMA  (Tunisia)  |Vendredi 14 Août 2015 à 10:12 | Par           
قال الله تعالى : (بسم الله الرحمن الرحيم: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} صدق الله العظيم،

Antar Ben Salah  (France)  |Vendredi 14 Août 2015 à 10:11 | Par           
L'histoire nous a enseigné que la dictature a une durée de vie limitée et le responsable de cette période finira mal sa vie , en passant par Staline , Pinochet , franco , Khadafi , Bourguiba , ben Ali , Saddam , même Napoléon il a finit sa vie en prison . Et y en a d'autres pour l'avenir car la vie continue malgré l'existence de ces personnes maudites .

Dorra  (Italy)  |Vendredi 14 Août 2015 à 10:07           
يا سي منجي تونس دولة مدنية تضمن حرية الضمير و الذي يحكم الناس ليس المنبر او الخطبة في المسجد او القداس في الكنيسة او في السيناڤوڤ،
الذي يحكم تونس هو دستور مكتوب و قوانين وضعية في مجلة الأحوال الشخصية و المجلة الجنائية و المجلة الانتخابية و غيرها من القوانين التي تنظّم البلاد .
الدين لله و الوطن للجميع يا سي المنجي و لقد حسمنا منذ عقود مبدأ مدنية الدولة و لا تراجع فيه لا بمنبر و لا بغيره

AbouFATMA  (Tunisia)  |Vendredi 14 Août 2015 à 09:49 | Par           
جازاك الله خيرا على هذا المقال يا أستاذ


babnet
All Radio in One    
*.*.*
Arabic Female