حكومة تستنزف هامش التمويه والمناورة، فهل ترى لها من باقية؟

<img src=http://www.babnet.net/images/1a/wissemlatrach.jpg width=100 align=left border=0>


بقلم المهندس وسام الأطرش (*)

منذ أن تم الإعلان الرسمي عن تشكيلة الحكومة التونسية الحالية وشرعت في مباشرة أعمالها، وهي تستنزف رصيدها السياسي الذي جمعتهلها الأحزاب الحاكمة وأودعته في حساباتها الجارية ببنك التوافق الديمقراطي، بل لقد أخذ هذا الرصيد يتآكل يوما بعد يوم بنسق أسرع من المتوقع، حيث لم يعد لرموزها وممثليها من مبررات كافية لحفظ ماء الوجه، فضلا عن إمكانية ضمان بقائها لمدة أطول بعد أن استنزفت هامش التمويه والمناورة والهروب إلى الأمام.
حالة الطوارئ التي نعيشها اليوم، مضافة إلى حالة الإحتقان الإجتماعي الذي صنعته الأيادي المرتعشة في حكومة الصيد، لا ينقصها سوى مجهودات وزارة الداخلية في دحرجة كرة الثلج عبر ممارسات قمعية جائرة تعيد إلى الأذهان ما كانت تنتجه هذه الوزارة في عهد بن علي من مسلسلات تعذيب ممنهج عفا عنها الزمن.
...

بل الناظر إلى أساليب تعامل هذه الحكومة مع الملفات الإقليمية والدولية، يكاد يجزم أنها حكومة كفاءات مختصة في صناعة الأزمات بدل إدارتها، حيث ختمت مسار الأزمات الدبلوماسية المتعاقبة مع الجارة الليبية ببناء جدار على حدودها الترابية، أما الجزائر فليس أدل على توتر العلاقات معها من سحب سفيرها وتنديد إعلامها الرسمي بكل أشكال التعاون مع المستعمر الأمريكي وحلفه الأطلسي المتربص بمنطقة شمال إفريقيا. هذا دون اعتبار سياسة المد والزجر التي تعتمدها الحكومة في التعامل مع النظامين المصري والسوري.
أما عن الناحية الإقتصادية، فلا يخفى على كل متابع تدخل صندوق النقد الدولي في تفاصيل التفاصيل وما قانون الميزانية التكميلي إلا ثمرة لهذا التدخل، كما استطاع البنك الدولي وبطلب مباشر من المديرة العامة للبنك مولياني إندراواتي فرض رسملة البنوك العمومية في تونس لجبر الضرر الذي ألحقته لوبيات الفساد بهذه البنوك على حساب شعب أريد له تسديد سرقات أناس لا يطالهم قانون ولا يعرفهم قضاء. أضف إلى هذا وذاك، تقنين للمصالحة مع طاقم الناهبين والمتحيلين من رجال المال والأعمال في هذا البلد، بما يعنيه كل ذلك من تمهيد للمرحلة الإقتصادية القادمة في تونس بعد عهد اشتراكية الدولة الذي أرساه بورقيبة وعهد الإنفتاح الإقتصادي والسوق الحرة الذي كرسه بن علي. إنه عهد الليبرالية المتوحشة الذي يزيد من تغول رؤوس الأموال ومن إخضاع الطبقة الوسطى والفقيرة إلى غطرسة هؤلاء بدعم خارجي غير محدود. فهل للحكومة بعد هذا من أقساط جديدة من التمويه والتبرير يمكن أن تمررها عبر الخطابات المتلعثمة التي تميز بها رئيس الحكومة الحالي؟
تأتي هذه الإنجازات الإقتصادية الاستثنائية، وسط أجواء مشحونة فرضت على أبناء هذا الشعب المسلم، حيث أغلقت مساجد وحوصرت أئمة واعتقل شباب وعُذّب آخرون، والحكومة متمادية في غيها غير مبالية بما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع في بلد نجحت في وضعه على كف عفريت.
حكومة سكتت عن جرائم وزارة الداخلية في حق العديد من أبناء هذا البلد وعن إرهاب أعوانها لكل من يحاول رفض سياساتها العرجاء، في استخفاف واضح بهذا الشعب وبهويته ودينه، متناسية أنه بالأمس القريب من أطاح بطاغية ظن أنه سيخلد في قصر قرطاج، وأنه على إلحاق جبابرة اليوم بسلفهم لأقدر بإذن الله.
ما يصر على تجاهله وزراء الحكومة الحالية هو أن استنزاف الحكومة لنفسها يأتي بإشراف غربي مباشر، فيظن بعضهم للحظات أنه لا وجود لقوة يمكن أن تزيحهم عن مقاعدهم ومناصبهم، ويتمادون بذلك في سياسة المناورة والتمويه مقتدين بمن نفى وجود الثروات بشكل قطعي في تونس وطلب بكل استهزاء ووقاحة أن نستعمل البيوش في البحث عن البترول.
الليبرالية المتوحشة، تهيء اليوم لنفسها أرضية تشريعية تقويها وتحميها فكانت القوانين المالية من جهة وقانون مكافحة الإرهاب من جهة أخرى، كما تهيء لنفسها أرضية توافقية بين الأحزاب هي أكثر صلابة من سابقاتها، حيث ينصهر الجميع في بوتقة الرأسمالية إلى حد الذوبان الإيديولوجي، ويسبحون في بحر الوطنية إلى حد الغرق، لأن من سيرفض ذلك سيكون مصيره الإقصاء من المشهد السياسي، لذلك فإن آخر مرحلة يمكن أن يمهد من خلالها النظام العالمي لهذا النوع من الليبيرالية المرفوق بديمقراطية الأنجليز كما جاء على لسان الهاشمي الحامدي في لحظة صدق غير مقصودة، هي تقليم أظافر كل جهة يمكن لها أن تشكل خطرا على المنظومة في المرحلة القادمة، وعليه نرى اليوم زيادة على التسلط على الصحوة الإسلامية، مراودة للجبهة الشعبية عن نفسها حتى تغدو أكثر رأسمالية من ذي قبل وتتصالح نهائيا مع الإسلام السياسي من أجل عيون رأس المال الباحث عن وضعية الاستقرار في تونس، وهذا ما يفسر وجود إشراف مباشر من قبل الغرب (بريطانيا أساسا) على هيكلة الداخلية وتحجيم الجناح اليساري فيها الذي استُعمل سابقا في ضرب الإسلاميين والذي صار وجوده اليوم سببا في الاحتقان المتزايد المضر بمصالح رأس المال، زيادة عن الأضرار التي خلفها وجود اليسار في الإعلام والقضاء والتعليم والمنظمات النقابية،وجودامضرابالديمقراطيةالمقدسةعندالأنجليز.
بات واضحا إذن، أن الكذب والتمويه لن يجدي نفعا، لحكومة لا تملك قرارها بيدها، بل قرارها بيد من جاء بها وزكاها في السفارات والدوائر الأجنبية وخلاصة القول في حكومة لا يُرى لها من باقية في غضون الأشهر القادمة أن لسان حال المشهد السياسي في تونس صار يقول لها مع كل إجراء تقدم عليه: لقد نفذ رصيدكم، الرجاء إعادة التشكيل...

(*) عضو المكتب السياسي لحزب التحرير تونس



   تابعونا على ڤوڤل للأخبار

Comments


8 de 8 commentaires pour l'article 110051

Wildelbled  (United States)  |Mercredi 12 Août 2015 à 01h 41m |           

ما كانت الثورة إلا سراب في يوم شمس شدد الحراره

Mandhouj  (France)  |Mardi 11 Août 2015 à 20h 59m |           
قال بن علي التونسي للتونسي رحمة ، فقامت ثورة .
سياسة اليوم هي على نفس المنوال . الكل سرقة ، الكل تلاعب، الكل ضحك على الذوقون، الكل مناورة ، الكل تمويه ، و الكل خيانة للثورة .
الفاهم يفهم .

Antar Ben Salah  (France)  |Mardi 11 Août 2015 à 15h 10m | Par           
Pour l'instant ça va mais on peut faire mieux la Tunisie n'est pas dans le rouge comme la Grèce , tout le monde fait un effort en attendant des jours meilleurs , même le chômeur raisonne avec compréhension de la difficulté économique national et international . On a gagné la démocratie le reste suivra .

Nation  (Tunisia)  |Mardi 11 Août 2015 à 14h 12m |           
Tiens, je viens de remarquer que mon commentaire a été supprimé. Ca ne plait pas apparemment à certains sur cette page qu'on critique la secte Tahrir ou qu'on condamne fermement tous ceux qui soutiennent de près ou de loin les rats d'égouts terroristes cachés dans leurs trous dans les montagnes ou derrière leurs claviers en Tunisie et à l'étranger
P.S: Ingénieur en quoi et de quelle université Mr Latrech?, je pencherais plutôt, au vu de ses articles, au prix Nobel de la cuisine = Chakchouka

Dorra  (Italy)  |Mardi 11 Août 2015 à 11h 03m |           
يا سي وسام كلامك معقول ميه ميه و إلا لما كنت من جماعة حزب التحرير

Nation  (Tunisia)  |Mardi 11 Août 2015 à 07h 34m | Par           
************

Mandhouj  (France)  |Mardi 11 Août 2015 à 02h 17m |           
الدورة التشريعية 5 سنوات ، لكن الحكومة يمكن أن تكون يوم ، شهر ، 6 أشهر ...
أفهم وحدك ، الكل لا يريدك ، و أصبحت و حكومتك خطرا حتى على احزاب الرباعي ، لكن لا يهمني الرباعي ، الذي يهمني هو الشعب و ليس رجال الاعمال السراق .

ارحل قبل أن تكون موقوف من طراف أمننا الجمهوري .
ارحل و لا تسافر ، فانك ستسأل .
أبقى معنا في تونس لتحكي لنا كيف يتعامل البوليس مع الموقفين ، وهم يستجوبنك كيف أهملت أموال الشعب ؟
على أمل اللقاء معك على الشاشة صحبة محاميك،
لم فليجتك ولا تتباخل.

يا ويل الحاكم الذي يغضب عليه الشعب ، بعد أن خانه و أهلك ماله و ثروته .

Mandhouj  (France)  |Mardi 11 Août 2015 à 02h 11m |           
على كل حال كشعب ذهبنا في مسار الديمقراطية و ما تفترضه من قبول بنتائج الصندوق ، و نحن بذلك صادقين في انتمائنا الديمقراطي .
نسخة الحكومة الأولى طلبنا الصيد بمراجعتها من الدقائق الأولى ، و ذلك واجب النصح، وهو واجب ديمقراطي . جاء بنسخة ثانية ، قلنا لنا تحفظات لكن على الحكومة أن تعمل ، البلاد في حاجة إلى سائس يسوس أمرها ، خاصة و أن مهدي جمعة أتى على الأخضر و اليابس و أغرقها في دين ،كان على الحكومة الحالية أن تراجعه .
قلنا لا نحاسب الحكومة على طريقة العادة المعمول بها في كل الدول (100 يوم )، لكن الأستاذ الصيد ، ضن (الضاد تشال ) أن الأمر سيبقى 5 سنوات . فاستمر في الكذب البواح، خلبطة الأمور ، و كأن الشعب لا يرى و لا يسمع . العام الدراسي الفارط ، سكت الرجل و لم يتكلم ، (نعم له وزير في الحكومة : وزير التربية ). الصيد أراد المراوغة باتحاد الشغل ، اتحاد الشغل عطل الاقتصاد (حق الاضراب حق ديمقراطي ). في حكومة الصيد الارهاب ضرب كما أراد . مرزوق نيابة عن الرئيس و تحت
اشرافه أمضى معاهدة لا ندري محتواها (هذا ممنوع في الديمقراطية (النائب العام مطالب بالقبض على مرزوق و على الباجي قائد السبسي ) حتى يسألا أمام البرلمان على المباشر ، و أن يمنعهما من السفر حتى تتضح الأمور . الحكومة قبلت باقتراح الرئاسة، و قدمت قانون المصالحة الاقتصادية لمجلس الشعب : قانون يصلح أمر السراق و المفسدين . ثم قانون رأسمالة البنوك العمومية ، و اعفاء رجال أعمال ، لا ندري ماذا فعلوا بالقروض ، التي هي أموال الشعب . الصيد سحب من مجلس الشعب
قانون الحريات الصحفية و حريت الاعلام ، لانه لا يستجيب لطموحات رجل دولة الأمس ( بن علي الهارب). الأولياء لا يدرون هل ستكون هناك سنة دراسية الشهر القادم أم لا .
خلسة من الشعب و بتوطأ مع الربعي الحاكم و القوى النافذة ، الصيد يمرر ما أراد من قوانين ، لم نرى لها أي ذرة أثر في برنامج النداء أو النهضة .
الصيد بسياساته الأمنية يريد أن يضع الشعب ضد البوليس .
نحن نحب أمننا ، و نتمنى أن يكون صادق معنا .
نحن نحب جيشنا و نتمنى أن يكون عند حسن الظن ،
المخابرات التي تحمينا من الارهاب ، نحن نحبها،
الحرس الوطني على الرأس و العين ،
عطلة الستة أشهر انتهت ، لقد خنت عهد الشعب ، و لست حاميا للوطن ، و لا لاهداف الثورة ، الذي أراد أن يفعله محمد الغنوشي و لم يتركه الشعب ليفعله ، فعلته أنت ، يا سي الصيد .
الدورة التشريعية 5 سنوات ، لكن الحكومة يمكن أن تكون يوم ، شهر ، 6 أشهر ...
أفهم وحدك ، الكل لا يريدك ، و أصبحت و حكومتك خطرا حتى على احزاب الرباعي ، لكن لا يهمني في الرباعي ، الذي يهمني هو الشعب و ليس رجال العمال السراق .

ارحل قبل أن تكون موقف من طراف أمننا الجمهوري .
ارحل و لا تسافر ، فانك ستسأل .
أبقى معنا في تونس لتحكي لنا كيف يتعامل البوليس مع الموقفين ، وهم يستجوبنك كيف أهملت أموال الشعب ؟
على أمل اللقاء معك على الشاشة صحبة محاميك،
لم فليجتك ولا تتباخل.


babnet
All Radio in One    
*.*.*