إلى الشيخ راشد الغنوشي أليس الحقّ أحقّ أن يتّبع ؟

بقلم: محمّد المختار القلاّلي (*)
اطّلعت، يا شيخ، على موقفك من مسألتيْ « رفض تجريم المثلية الجنسية


والواضح أنّك تناولت موضوع الزّواج المثلي من وجهة نظر إسلامية (أي باسم الإسلام) بدليل قولك: إنّ الإسلام يحترم( كذا) خصوصيّات الأشخاص، ولا يتجسّس عليهم فكلّ شخص حرّ في ميولاته، ومسؤول أمام ربّه الخ...
هل يمكن لنا أوّلاً أن نعرف ما الصّفة التي انطلقت منها في تأويلك لهذه الظّاهرة؟ أَبِوصْفك مفتيا ؟ أم مجتهدا ؟ أم ماذا ؟
أمّا الإفتاء فلم نعرف عنك اشتغالك بهذا الاختصاص، ولعلّك أنت ذاتك تنفي عن نفسك أن تكون من أهله، والحال أنّ مؤدّى تصريحك لا يمكن أن يفهم إلاّ كونه إفتاء بتصالح الإسلام مع هذا الضّرب من السّلوك، وإلاّ ما الذي يعنيه قولك: إنذ الإسلام يحترم الخصوصيات ( كناية هنا عن الزّواج المثلي)؟ الإسلام ، يا شيخنا ، بما هو ثورة على الأخلاقيات المنحرفة والعادات المَعيبة ، بدليل قول نبيّه عليه السّلام إنّما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق ، لا يمكن له أن يحترم من ضروب السّلوك إلاّ ما كان منها مراعيا للفطرة، متماهيا مع الفضيلة، عائدا بالنّفع على الفرد والجماعة. إلى ذلك هو يوجب على أتباعه أن يمضوا في التّبشير بما جاء به من مبادئ وقيم سامية، والتّنفير من كلّ سلوك يتنافى وإنسانيّة الإنسان. كنتم خير أمّة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر (قرآن كريم ).الحاصل، في فهمي بالنّهاية و ربّما في فهم غيري أيضاً، أنّ الإسلام من وجهة نظرك يبيح هذه البدعة الدخيلة ما دامت تحظى باحترامه ( الإسلام)، وفق ما جاء على لسانك. وهذا يعني أنْ لا حرج على أتباعه من الزّواج المثلي متى ما رغبوا في تعاطيه. ماذا يمكن أن نسمّي وجهة النّظر هذه غير كونها فتوى حتّى ولو خلا إخراجها من التّنصيص الصّريح على إباحة الشّذوذ ؟
و أمّا إن كنت قد تناولت هذه الظّاهرة من موقع المجتهد فإنّه لا يمكن أن يخفى عنك أنّ الاجتهاد الذي كان وسيظلّ مطلوباً إلى ما شاء الله يبقى مشروطاً بشرط لزوم الثّوابت (المعلوم من الدّين بالضرورة ) و كلّ الذين عرفناهم من المجتهدين لم يتجاسروا على المسّ بالأركان أو هتك الأصول، و منهم من اجتهدوا إلى حدّ الشّطط أحيانا، متجاوزين في الكثير من المواطن ما تواطأ عليه السّلف و التّابعون، لكنّهم ظلّوا مع ذلك ملتزمين بالاجتهاد من داخل مرجعيتهم الإسلاميّة لا يتعدّونها. ولا إخالني بحاجة، في قضيّة الحال، إلى إحالتك على النّصوص القرآنيّة والحديثيّة ذات الصّلة، القاطعة بحرمة ممارسة الشّذوذ، فأنت أكثر إلماما بها منّي، ولا شكّ. إنّ المجتهد ، يا سيدي، بما هو ملتزم بأصول عقيدته لا يجوز له أن يخترق سقف مرجعيّته. هو كالشّجرة تبدّل أوراقها لكنّها لا تبدّل الجذور. الفيلسوف وحده له حقّ الانطلاق من الصّفر. أذِعْ في الملأ، إن شئت ، كونك ترتئي فكّ الارتباط بالمرجعيّات موثراً التّحول إلى الاشتغال بـــ الحكمة ( الفلسفة)، ولن يكون عليك حرج عندئذٍ فيما تطرحه مهما بدا للغير مفارقاً للسّائد.
إلى ذلك، كم هو مثير للغرابة قولك: ما يحصل داخل المنزل لا يعني أحدا، هي خياراتك، ولا يحقّ لأحد أن يملي عليك ما تفعله . هل هذا يعني أنّ كلّ شيء مباح مادام يجري في السّرّ؟ أي للواحد أن يذبح الفضيلة إن شاء وحتّى أن يسلخها بشرط وحيد أن لا يتّم ذلك تحت أنظار الخلق! أيّ منطق هذا يا شيخ؟ وأين ما تطرحه من علم النّفس التّربوي وما يدعو إليه من تنشئة الفرد على مراعاة الضّوابط و استحضار المعايير في السّرّ قبل العلن من خلال ما اصطلح على تسميته بـ القوانين الخفيّة ، تلك التي تحرص التّربية الحديثة على غرسها في وجدان النّاشئ لتكون لديه بمثابة الرّادع دائم الحضور (رقيب من ذاته)، يهدي المرء إلى التي هي أقوم، لا فرق في ذلك بين أن يكون في غرفة محكمة الغلق أو ماشياً بين النّاس في الأسواق. ثم ألا ترى، يا شيخ، أنّ من شأن هذا الطّرح أن يساعد على شيوع رذيلة الرّياء بين النّاس، وأن يقدّم، إضافة الى ذلك، دليلا بالمجّان لخصومكم على ما اعتادوا وسمكم به من كونكم(أتباع الاسلام السياسي ) دائما ما تتبنّون ازدواجية الخطاب ؟
إلى ذلك، يتراءى لي أنّ شيخنا ما يزال واقعا تحت تأثير الثقافة الشرقيّة التقليديّة التي من سماتها القبول بالتّناقض ما بين الممارسة في السّرّ و تلك التي تمارَس في العلن.
ومع كلّ ذلك، أنا على ما يشبه اليقين من أنّ الشيخ راشد لا يمكن أن يكون إلاّ ضدّ بدعة الزّواج المثلي التي تمثّل لدى جميع الأسوياء أبشع مظاهر الإنهيار الأخلاقي والرّوحي الذي تردّت فيه بعض المجتمعات الغربيّة حتىّ مع تصريحه الأخير بعدم تجريمها. بيد أنّ السياسة ربّما، والتي ما دخلت شيئا إلاّ أفسدته، هي وراء جنوح الشيخ إلى المواربة حذر الوقوع في شبهة معاداة الحرّيّة الشّخصيّة، يفرح بها خصومه من السياسيين، فارتأى سدّا للذّرائع الانتقال إلى ساحتهم والرّقص على أنغامهم، و لا ضير إن ضاعت في الأثناء جميع المعايير ، تلك العاصمة وحدها من الزّلل.
ثمّ ،هل أنت مقدّر، يا شيخ، أنّك بمثل هذه التّصريحات تلبّس، عن قصدٍ أو بدونه، على النّاس عقيدتهم و ما تراتبوا عليه من مُثُل و قيم، مساعداً بذلك من يسعون إلى إحداث فراغ عقائدي و روحي كيما يتسلّلوا من خلاله إلى داخل كيانها الثّقافي والرّوحي قصد تدميره إن هم وجدوا السّبيل إلى ذلك. وبعد، هل عدمنا يا رجل المشاغل و القضايا حتى ندير اهتمامنا إلى تقليعات شاذّة ما تزال تلقى الرّفض حتىّ من قسم واسع من المجتمعات التي ظهرت هذه التّقليعات على هامشها، أم هل أنّ ما فينا يكفينا
أخيراً، هل ننتظر منك بعد الذي حصل أن تبادر، يا مولاي، إلى تجلية ما ورد بحديثك الأخير بعد أن أثار ما أثار من اللّبس في الأذهان ؟ متسائلاً في الختام: على من يا ترى يعود اللّوم أكثربهذا الخصوص، أعلى الجمهور لمّا يمضي في تقليده العبثي للأخر، أم على النّخبة حين تتولّى تبرير هذا التّقليد والتّصفيق له؟
*عضو إتّحاد الكتاّب التونسيين
Comments
14 de 14 commentaires pour l'article 103670