في ضرورة إيجاد حلّ عادل لمعضلة الإرهاب

<img src=http://www.babnet.net/images/1a/sebssile1903152.jpg width=100 align=left border=0>


منجي المازني

تشريك المواطن في المنظومة الأمنية هو أهمّ قرار تمّ اتخاذه في اجتماع المجلس الأعلى للجيوش الثلاثة الذي انعقد برئاسة رئيس الجمهورية السيد الباجي قائد السبسي. على إثر الهجوم الإرهابي على متحف باردو. هذا القرار دفع العديد من السياسيين للردّ عليه في حينه ومنهم نائب رئيس مجلس النواب الشيخ عبد الفتّاح مورو الذي عقب في برنامج شكرا على الحضور بالقول أنّ القرار ربّما يدفع النّاس أو بعضهم للعمل كمخبرين لدى الحكومة (قوّادة) إذا لم يتنزّل هذا القرار في بيئة تتفهّمه . فهذا القرار يتطلّب أولا وأساسا فهما دقيقا لمفهوم التطرّف والإرهاب وكذلك وعيا رفيعا بالقضايا المستجدّة على المستوى المحلّي والإقليمي والدولي. وعليه لا يمكن مثلا تشريك المواطن في حملة وطنية للقضاء على الإرهاب دون تحديد مفهوم الإرهاب وأسبابه ومنشأه ودون النأي به عن التجاذبات السياسية.
فرغم ما ساد في الفترة الأخيرة من توافق سياسي بين غالبية الفرقاء السياسيين، الذي انعكس إيجابا على نفسية المواطن التونسي بالانشراح والارتياح التام، فإنّ بعض الأطراف السياسية لا تزال تنظر للأمور بمنظار المصلحة الشخصية وبمنظار الحقد الإيديولوجي. فكلّما حصلت أو جدّت عملية إرهابية إلا وألقت هذه الأطراف بالمسؤولية مباشرة على حركة النّهضة واتّهمتها إمّا بالمشاركة الضمنية في العملية أو بتوفير الظروف والمناخات لحصول مثل هذه العمليات من مثل تشجيع ودفع الشباب للذهاب إلى سوريا والانخراط في القتال ضدّ نظام بشار الأسد. وبناءا عليه تقترح هذه الأطراف حلولا أمنية بحتة وعمليات جراحية في غير وقتها وفي غير محلّها. فهل يمكن أن نفكّك ظاهرة الإرهاب بالاعتماد على مفاهيم وأسباب تخضع للأهواء الشخصية وللمذاهب الإيديولوجية ؟ وهل يمكن أن نوفّر حلولا لظاهرة الإرهاب تعتمد فقط على الحل الأمني؟ فكلّ تشخيص يخضع للمزاج الشخصي يظلّ قاصرا عن فهم الحقيقة ويظلّ عاجزا عن إيجاد الحلول الملائمة. فما هي إذن الأسباب الحقيقية لظاهرة الإرهاب ؟
...


لا شكّ أن الفقر والظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المزرية هي من بين الأسباب الجدّية التي تساعد على انتشار فكر التطرّف. ولكن يظلّ الجهل بصفة عامّة والجهل بالدّين بصفة خاصّة هو السبب الرئيسي لانتشار ظواهر التطرّف والإرهاب. فخطّة تجفيف الينابيع التي نفّذها المخلوع زين العابدين بن علي طيلة 23 سنة هي التي ولّدت فكر التطرّف لدى الشباب التونسي. فالشباب الذي ولد في فترة حكم بن علي تربّى وتعلّم في ظلّ خطّة تجفيف الينابيع وتخرّج الكثير منهم بعد 23 سنة متطرّفون وضالعون في اختصاص التطرّف والإرهاب. وإثر التخرّج ذهب هذا الشباب إلى سوريا للقيام بتربّص ميداني وتطبيقي في كلّ ما درسه وتعلّمه في فنون التطرّف والتحجّر والغلو. ومن نافلة القول التأكيد على أنّ كلّ رأي يرتكز على حلول أمنية من مثل المراقبة الفردية واللّصيقة ومن مثل طرد المتطرّفين من البلاد وعدم الاعتراف بهم هو رأي قاصر ومخالف للدستور. والأطراف التي تنادي بالتسريع بإعداد قانون الإرهاب وبفرض قوانين وحلول أمنية بدرجة أساسية هي أطراف تريد أن تدخل البلاد في دوّامة من العنف ومن الحرب الأهلية، وهي لا تريد الخير للشعب التونسي وإنّما تريد أن يأكل الشعب بعضه بعضا وأن تسود الفوضى في البلاد. ولا شكّ أنّ التطرّف هو من يدفع الشباب للقيام بعمليات إرهابية والتطرّف وهو حصيلة وخلاصة ما تلقّاه هذا الشباب من ثقافة منحرفة طيلة عهد الاستبداد وطيلة فترة تجفيف الينابيع. فإذا أردنا فعلا أن نسعى لمنع العمليات الإرهابية فلا بد من اقتلاع جذور هذا التطرّف المعشّشة في أذهان بعض الشباب وذلك بإرساء ونشر ثقافة التدين الصحيح وليس المغشوش. ذلك أنّ الإنسان مجبول على التديّن فإذا حيل بينه وبين التديّن الصّحيح أصرّ على التديّن ولو كان ذلك باتباع مذاهب من وراء الحدود. فإلى حد اليوم وإلى حدّ أربع سنوات من الثورة لم نر من الدولة ومن مختلف مؤسّساتها إلاّ الحلول الأمنية من حصار ومحاصرة المتطرّفين وقتلهم أو القبض عليهم ومحاكمتهم والزّجّ بهم في السجون. ولكن هل تمّت محاورة المتطرّفين والإرهابيين ومقارعتهم بالحجّة والبرهان ؟ هل حاولت الدولة إخضاعهم لدورات تكوينية دينية تصحيحية لفترات متواترة ؟ وهل أرسلت الدولة إليهم مختصّين في علوم الشريعة ومختصّين في علم الاجتماع وإخصّائيين نفسانيين يحاورونهم في المساجد وفي المقاهي وفي كلّ مكان يتواجدون فيه ؟ كلّ شيء من ذلك لم يحدث. بعض السياسيين والمسؤولين والمحلّلين السياسيين والإعلاميين لا يهمّهم إلاّ محاصرة هؤلاء الشباب والزّجّ بهم في السّجون. لماذا يصرّ هؤلاء على اعتبار الشّباب المتطرّف شبابا من فصيلة المجرمين بالولادة وبالوراثة في حين أنّهم في حقيقة الأمر أول ضحايا الاستبداد وولدوا في ظلّ الاستبداد وتربّوا في حضن الاستبداد وفي إطار خطّة تجفيف الينابيع والتعتيم الكامل على المعرفة وفي ظلّ الصّد عن سبيل الله على مرآى ومسمع من الجميع ؟ فهؤلاء الشباب أشبه ما يكون بيتيم الوالدين الذي فقد رعاية الأب وحنان الأم وإحاطة ومساندة المجتمع. فماذا سيكون مصيره ؟ وعلى أية شاكلة سيتشكّل ؟ وماذا عسانا ننتظر منه ؟ الذي يتربّى في ظلّ منظومة تجفيف الينابيع يصبح بالضّرورة في الأغلب الأعمّ متطرّفا ومشروع إرهابي. ومن استطاع النّجاة من آفة التطرّف فبفضل رحمة الله.
البعض من المسؤولين والإعلاميين والسّياسيين يتهمون الشباب المتطرّف بالجهل وبالبعد عن فهم الدّين الصّحيح وبالكفر بمبادئ الدّيمقراطية التي لا تتعارض مع الإسلام الصّحيح في حين أنّ هؤلاء المتحدّثون لم يؤمنوا بالإسلام وبالدّيمقراطية إلاّ بعد أن أحسّوا بالغرق على غرار فرعون. قال الله تعالى : وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين (90) آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين( 91 ) سورة يونس. هؤلاء القوم يريدون ويطلبون من الشباب المتطرّف لفظ التطرّف. وينعتونه بكلّ نعوت التطرّف والغلو والتحجّر إن هو أبى ذلك. وفي المقابل هم لا يريدون أن يتخلّصوا من التطرّف الذي يدفعهم إلى بث ثقافة الفساد والإفساد والعري والفجور ليلا نهارا وسرّا وجهرا. ولا يسعون بالقدر المطلوب للمصالحة مع الدين الإسلامي والمصالحة مع ثوابت الأمّة. فهل إحياء الحفلات الصّاخبة والماجنة وتمرير لقطات الإغراء والعري و قلّة الحياء هو من ثوابت هذا الدّين ؟ فهم يطلبون من الأمم المتحدة أن تتدخل لمحاربة داعش والقضاء عليها في حين أنّ داعش ما قامت وما تأسّست إلاّ ردّا على التطرّف الوحشي للنظام السّوري وللنّظام الإيراني. فإن قضت الأمم المتحدة على داعش فسوف تخرج لنا ألف داعش في وقت وجيز من تحت الأرض. فالتطرّف يولّد التطرّف. تلك هي سنّة الحياة. لعلّ خير تعبير عن ذلك هو قول الشّاعر عمرو ابن كلثوم : أَلاَ لاَ يَجْهَلَـنَّ أَحَـدٌ عَلَيْنَـا... فَنَجْهَـلَ فَوْقَ جَهْلِ الجَاهِلِيْنَـا






   تابعونا على ڤوڤل للأخبار

Comments


6 de 6 commentaires pour l'article 102182

Mandhouj  (France)  |Lundi 23 Mars 2015 à 21h 37m |           
حبيبتي ، تونس .

أمام مهازل السياسيين، تونس تدفع الثمن غالي ،
- إرهاب ، في عقر الديار ، ديار السيادة ،
- غلاء المعاش ،
- الالتجاء إلى المديونية ، و كأنها الحل الوحيد،
- البخل و الكسل لاغلبية أعوان الوظيفة العمومية ، حتى البعض من أبناء القوات الأمنية ، و الغريب هم يعلمون أننا نحبهم ، نبكي و نحزن لما يصابون ، نتظاهر في الطريق ...

ماذا تريدون لتونس ، يا نواب مجلس الشعب ؟ يا حكومة ؟ يا رئيس الدولة ؟ أم أن الدولة العميقة تمنع كل تغير في سياسات الدولة ؟
قمنا بثورة ، فاستوجبت العدالة الانتقالية .
قلنا أننا شعب واحد ، لنا مصير واحد ، فوجب بناء تونس الجديدة مجتمعين .
قلنا أن تونس "أي دولة " بدون رجال اعمالها ، لا تقوم لها قائمة ، و من البداية طلبنا بعدالة انتقالية "سمحة ، لطيفة ، توافقية " تنهي في أقل الأوقات أزمة الشركات ، و رجال الأعمال ، شريطة أن يندفعون في بناء بلادهم ، و أن تؤسس الدولة لقانون جباية يجعل منهم مساهمين أساسيين في النهوض بالوطن ، و يمتنعون عن التهرب الجبائي، و عن عرقلة الاقتصاد الوطني ، عبر ما يسمى الاقتصاد الموازي .
ماذا حدث طيلة 4 سنوات ؟ أبت الدولة العميقة بمكوناتها الداخلية و الخارجية ، و تحالفاتها الاستراتجية (الملعونة و الخبيثة )، إلا أن تفشل المسار الديمقراطي ، أن تسيطر على السوق ، أن تدفع بالحكومات بالتجاء إلى المديونية ، أن ترهق القوات الأمنية ،... لكن شعبنا كان واقفا و انجح مساره الديمقراطي و دفع التضحيات (غلاء معيشة ، شهداء أمنيين، جنود بواسل، سياسيين ، مواطنين ).
40000 ألف اضراب في 3 سنوات ! يخلي دار همكم .
أيها التونسي استفق .
تونس لاتحكم إلا بالتوافق ، و في إطار التوافق تبنى من جديد ثقافة المصلحة العامة لدى موظفين الدولة ، و لدى كافة الشعب . في إطار التوافق ، توضع الاصلاحات اللازمة لكل منظمتنا العمومية (تعليم ، صحة ، شركات عمومية ، بحث علمي ،... )، إطار التوافق يمكن من جديد أن يستأنس المواطن ، بحاكمه ، و يثق من جديد في السياسي ، و يدخل من جديد ميدان جهد جديد ، ميدان المساهمة ، من أجل تونس العمل و الأمل ، من أجل أهداف الثورة (كرامة ، حرية ، عمل ، ديمقراطية ).
يمكن تحقيق هذا الهدف الأسمى ، عبر:
- عدالة انتقالية تدفع إلى المساهمة في بناء الوطن من أجل تطوير جهاتنا الداخلية و كل تونس ، بنية تحتية و نظم . أما قضايا الدم ، فلا بد لها من جلسة شجاعة لكل السياسيين .
- مصالحة وطنية خالصة ، من كل بيعة و شرية خبيثة .

هذا يمكن أن يتحقق إذا توفرت لدينا إرادة الحياة .

انها صرخة من بعيد ، لكنها من قلب مواطن .

Farhood  (Tunisia)  |Lundi 23 Mars 2015 à 19h 38m |           
@Mongi
تحية طيبة

SIKOU  (Tunisia)  |Lundi 23 Mars 2015 à 18h 27m |           
Le président de la république a déclaré la guerre contre ces rats. Nous, les citoyens, devons participer à cette guerre par tous nos moyens même avec des propositions qui paraissent banales.
Ce que je proposais depuis des mois, c'est de mettre des mines tout au long de nos frontières et vous allez voire les résultats.

Observo  (Europe)  |Lundi 23 Mars 2015 à 16h 32m |           
Ici aux USA, il y a ce qu'on appelle "Watchdogs" ou chaque citoyen est tenu responsable d'alerter les autorites des qu'il remarque des activites douteuses. Je ne vois pas de mal a faire pareil en Tunisie sauf que le niveau de responsabilite ici est assez eleve pour eviter les derapages dans l'application d'une telle idee. En Tunisie, malheureusement, nous sommes encore loin de bien comprendre cette idee et les abus il faut s'en attendre.
D'ou je suggere qu'il y ait un cadre juridique qui encadre bien cette mesure.

Mongi  (Tunisia)  |Lundi 23 Mars 2015 à 15h 22m |           
@Farhood
تحية طيبة
يا فرهود أنا اسمي منجي موش المينجي

Farhood  (Tunisia)  |Lundi 23 Mars 2015 à 15h 00m |           
سي المينجي واقيلا كلامي عجبك .......................................................................Farhood (Tunisia) |Dimanche 22 Mars 2015 à 15h 30m |
أضاف الرئيس التونسي في الحديث الذي نشرته المجلة، على موقعها اليوم الأحد، أن "تنامي ظاهرة الإرهاب في تونس في السنوات القليلة الماضية، مرده خاصة إلى الضعف الذي سيطر على الدولة في السنوات الأربع الماضية، و"بسبب سوء الإدارة منذ 2011"، إلى جانب التراخي والإهمال الكبير الذي سيطر على أداء الدولة في ظل حكم إسلاميي حركة النهضة منذ 2012، وذلك بالتوازي مع الصعوبات الاقتصادية المتزايدة التي أضرت بأعداد كبيرة من الشباب، ما دفعهم إلى التفكير في مغامرة
التطرف، وكل ذلك دون إغفال الدور السلبي للحرب الأهلية في ليبيا على حدود تونس الجنوبية"................................... 23 سنة من الديكتاتورية و الافقار الممنهج و تدمير دور الاسرة في المجتمع و تشجيع العنف و البطالة المزمنة في مقابل اثراء متواصل و متصاعد للبورجوازية المتعفنة التي تمسك بزمام الامور و المستعدة للهروب من البلاد اذا ما تطورت الاحداث لتترك الشعب في مواجهة مصيره .... من اكثر الشعوب سلمية في العالم و ليس بترسانة القوانين او هيبة
الدولة او القاء المسؤولية على حكومات ما بعد الثورة يمكن انقاذه او معالجة الاسباب الحقيقية وراء تنامي ظاهرة الارهاب ببلادنا


babnet
All Radio in One    
*.*.*