معركة الحجاب في تركيا

<img src=http://www.babnet.net/images/2/hijab2.jpg width=100 align=left border=0>


في هذه الأيام يعتمل صراع سياسي حاد، أرضه تركيا، يدور في أساسه وجذره الأصل حول (مفهوم العلمانية) ومدى توافقها أو تعارضها مع الإسلام كدين، هذا هو حقيقة الصراع وإن كان يظهر في صورة خلاف حول جزئية هي جزئية حجاب المرأة، فحزب التنمية والعدالة قد قدّم للعالم أنموذجا يستحق الإعجاب في تعاطيه مع الحقيقة أن تركيا دولة علمانية وفي نفس الوقت تقول لنا كتب الجغرافيا إن 99% من الأتراك هم من المسلمين، لقد قدم لنا هذا التنمية والعدالة أنموذجاً يحتذى للحزب الإسلامي السياسي الذي لا يتخلى عن انتمائه الإسلامي وفي الوقت ذاته يقدم تصوراً للدولة الحديثة التي تسير في ركب الحياة المعاصرة ولا يتعارض معها. دعونا ننظر في المعركة القائمة ولنحاول أن نخرج بحكم منصف حول القضية، ربما ليس من حقنا أن نحاكم الأتراك أو أن نتدخل في شؤونهم الخاصة, لكن لا مانع أن نخرج بتصور ما حول هذه القضية الشائكة وحول المفاهيم والمعايير التي يجري الخلاف حولها فهي مفاهيم يجري الخلاف حولها في طول وعرض العالم الإسلامي كله. في يوم السبت الماضي (9/2/2008) اعتمد البرلمان التركي مشروع الإصلاح الدستوري والذي يتضمن تعديلا يسمح بارتداء الحجاب في الجامعات وصوت 411 نائبا في البرلمان المؤلف من 550 مقعداً لصالح اعتماد الإصلاح الدستوري بكامله, هذا معناه أن أكثر من غالبية الثلثين المطلوبة لصناعة مثل هذا القرار الذي يراه البعض راديكالياً وأصولياً وسيراً في خطى الدول التي تطبق الشريعة الإسلامية أو تغلب عليها الصبغة الإسلامية. تم هذا الاعتماد في تصويت نهائي غلبت فيه أصوات نواب حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية المعارض. مشروع الإصلاح الدستوري يؤدي إلى تعديل بندين مهمين بالنسبة لحزب العدالة والتنمية حيث ينصص أحدهما على معاملة الدولة التركية لكل المواطنين بناء على مبدأ المساواة ويضرب المثال بمجال تقديم الخدمات مثل الدراسة الجامعية، البند الثاني ورد فيه التنصيص على عدم حرمان أحد من التعليم دون أن يكون هناك موانع يحددها القانون بدقة ووضوح. من الواضح هنا أن المقصود هن الفتيات اللواتي يرتدين الحجاب الإسلامي واللواتي يمنعن من دخول الجامعات لهذا السبب. بعد هذا الاعتماد خرج عشرات الآلاف من الأشخاص إلى شوارع العاصمة (أنقرة) في مظاهرات ذات زخم احتجاجاً على هذا القرار بحجة أنه يتنافى مع القيم التركية العلمانية وأنه مخالف لمبادئ مصطفى كمال أتاتورك. حقيقة، لا يهمنا كثيراً مدى التعارض أو التوافق مع مبادئ أتاتورك، فبالنسبة لنا، أتاتورك ليس معياراً للحق وإن رآه بعض الأتراك كذلك، والأمر لا يحتاج لمحلل سياسي عبقري حتى يفهم أن حزب العدالة والتنمية، حزب (ثائر) على أفكار أتاتورك وممارساته وتاريخه، بطريقتهم الخاصة التي تجعل الطعام يتقلب على نار هادئة حتى ينضج وبأقدام تسير بتؤدة وهدوء باتجاه أهدافها وتحقيق رؤاها على الأرض.
الذي يهمنا هو أن منع طالبة من دخول الجامعة بسبب كونها ترتدي الحجاب الإسلامي هو تدخل في حرية الإنسان الشخصية وتعدٍ على خياره وحقه الإنساني في أن يرتدي الزي الذي يناسبه وقناعاته الدينية أو الأخلاقية، خصوصاً أنه لا ينبني على فعله أي اعتداء على حريات الآخرين، كما أن هذا المنع يحوي مخالفة أخلاقية أخرى هي حرمان هذا الإنسان من حقه في التعليم الذي هو حق لكل البشر ومن أهم الواجبات التي يجب على أي دولة وكل حكومة أن توفرها لمواطنيها، فإذا أضيف إلى كل ما ورد أن هذا القرار قد تم بتصويت نزيه وكان تحققه باختيار أغلبية النواب، إذن لم يبق ما يمكن أن يكون هناك خلاف عليه ولا يمكن أن أتعاطف مع أي احتجاج يأتي من الضفة الأخرى، فهذا قرار تم انتزاعه بطريقة ديموقراطية شريفة وصحيحة تتفق تماماً مع الفكرة الديموقراطية التي تعني حكم الأغلبية، وهذا هو خيار الأغلبية. هل هذا القرار يتفق مع الفكرة العلمانية؟ هل يخدمها؟ بالتأكيد لا, فالعلمانية تعرف من وجهة نظر كثيرين على أنها فصل الدين عن حكم الدولة، لكن هل يجوز للعلمانية أن تفرض نفسها بالقوة والقمع؟ هل يجوز لحاكم ما أن يخرج على شاشة التلفزيون ويخلع بيده حجاب فتاة مسلمة معلناً أن مثل هذا الزي غير مقبول من وجهة نظره كما حدث فيما مضى؟ أعتقد أن مثل هذا العمل عمل غير أخلاقي ولا يمكن أن يكون مقبولاً عند من يؤمن بالحرية كقيمة، والقيم الأخلاقية أهم من تطبيق نظرية ما بالقوة، إذ ماذا سننتظر من مجتمع قسر قسراً على خياره!!
هناك سحاب من غموض حول هذه القضايا يجعل الناس يتنازعون حول هذه المفاهيم، حول معانيها وتعاريفها وحدودها وسبل فرضها، ولا شك أن هذه القضايا سيتأخر حسمها طويلاً، حتى ونحن نناقشها ونراقب ستتغير قناعاتنا حول كثير من التفاصيل ولا عيب في هذا. الأهم من هذا كله أن نتفق على قيم إنسانية تتوحد حولها معظم التيارات الفكرية الناشطة، مثل احترام خيار الإنسان ونبذ القمع والقسر وتقدير الحرية الشخصية وإعطائها فسحتها الكافية التي تعود على المجتمع بآثارها الإيجابية التي لا تخفى.


Al Watan


All Radio in One    
*.*.*
French Female