بعد 68 سنة عن الاستقلال هل نحن فعلا مستقلون عن فرنسا ثقافيًا ولغويًا واقتصاديًا؟

<img src=http://www.babnet.net/images/1a/tunisie-france2015.jpg width=100 align=left border=0>


كريم السليتي (*)

على الرغم من مرور أكثر من ستة عقود على استقلال تونس الرسمي، لا تزال البصمات الاستعمارية الفرنسية واضحة في النسيج الثقافي واللغوي والاقتصادي للبلاد. تعد اللغة الفرنسية لغة ثانية رئيسية في تونس، وهي تهيمن بشكل تام على الأنظمة التعليمية والمعاملات الاقتصادية، مما يعكس استمرار النفوذ الثقافي والاقتصادي الاستعماري الفرنسي.

...

* * التأثير الثقافي واللغوي الفرنسي في تونس * *
تعود جذور النفوذ الفرنسي في تونس إلى القرن التاسع عشر، عندما أقامت فرنسا نظام الحماية على تونس في عام 1881 (وهي صيغة ملطفة لاحتلال استئصالي دموي غاشم). وقد أدى ذلك إلى تغييرات جذرية في البنية الاجتماعية والثقافية للبلاد بقوة الحديد والنار. وبعد الاستقلال في عام 1956، استمرت اللغة الفرنسية في لعب دور مركزي في الحياة العامة في تونس، حيث ظلت لغة التعليم والأعمال والدبلوماسية.

ورغم مرور زمن طويل على الاستقلال الرسمي لم تنجح الحكومات المتعاقبة في تحقيق الاستقلال الثقافي واللغوي والاقتصادي وحتى السياسي لعدم توفر الارادة السياسية الحقيقية، حيث تسيطر اللغة الفرنسية على التعليم الابتدائي والإعداد والثانوي والجامعي بضوارب وعدد ساعات أعلى حتى من اللغة العربية اللغة الأم للتونسيين واللغة الدستورية الرسمية والتاريخية للدولة .
والظاهرة الأخطر هي تدريس المواد العلمية والاقتصادية والتكنولوجية باللغة الفرنسية في المرحلة الثانوية والجامعية وهو ما شكل ويشكل عبئا ثقيلا على التلاميذ، وأدى إلى ضعف التحصيل العلمي والمعرفي وتنفير التلاميذ من العملية التعليمية برمتها، حيث تشير بعض المصادر غير الرسمية لانقطاع حوالي مائة ألف تلميذ سنويًا عن التعليم بسبب تعقيدات اللغة الفرنسية، خاصةً وأنها من أشد اللغات تعقيدًا نحوًا وصرفا وإملاء.

هيمنة اللغة الفرنسية على التعليم أدت أيضا لهيمنتها على باقي القطاعات الاقتصادية في البلاد حيث تصدر أغلب القوائم المالية والتقارير الاقتصادية باللغة الفرنسية. كما أن المعاملات البنكية تتم باللغة الفرنسية وهو ما أدى إلى نفور كباريات الشركات العالمية وكبار المستثمرين الخليجيين والآسياويين من الاستثمار في تونس لصالح دول أخرى.

الهيمنة الاستعمارية الفرنسية لم تقتصر فقط على اللغة والثقافة بل أيضا سيطرت سلاسل المتاجر الفرنسية على مسالك التوزيع وسوق التجزئة في تونس بشكل شبه تام، حيث لا يوجد في السوق التونسية غير أسماء المتاجر الكبرى الفرنسية وبعض الأسماء التونسية القليلة في غياب تام لمنافسة عالمية حقيقية كما هو شأن في أوروبا ودول الخليج وشرق آسيا مثلا.

* * التحديات والتوصيات * *
للتغلب على هذا الإرث الاستعماري الثقيل الذي يفقد تونس بريقها الحضاري، يتعين على بلادنا اتخاذ عدة خطوات عملية:

1. * * تعزيز اللغة العربية: يجب على الحكومة التونسية العمل بأكثر قوة وضبط استراتيجية واضحة لتعزيز استخدام اللغة العربية في جميع المجالات الرسمية والتعليمية، وتشجيع الإنتاج العلمي والثقافي والأدبي باللغة العربية وسن قانون حماية اللغة العربية على غرار الجزائر وقطر .
2. * * إصلاح التعليم: تحديث مناهج التعليم لتعكس الهوية التونسية والعربية، وتقليل أو إلغاء الاعتماد على اللغة الفرنسية كوسيط تعليمي.
3. * * تنويع الاقتصاد: تقليل الاعتماد على فرنسا في الشؤون الاقتصادية من خلال تنويع الشراكات التجارية وجذب الاستثمارات من مختلف الدول واعتماد كل من اللغة العربية والإنجليزية على غرار التجربة الجزائرية والرواندية
4. * * تعزيز الوعي الثقافي: إطلاق حملات توعية لتسليط الضوء على أهمية الثقافة واللغة العربية في تونس، وتشجيع الشباب على الاعتزاز والفخر بتراثهم الثقافي.
5. * * الدبلوماسية الثقافية: استخدام الدبلوماسية لتعزيز الثقافة التونسية في الخارج وتشجيع التبادل الثقافي مع الدول العربية والإسلامية.
6. * * إصلاح الإعلام: من خلال منع استخدام اللغة المزدوجة بين الفرنسية والعربية وتعويضها بالعربية الفصحى أو الدارجة التونسية المهذبة، كما كان الأمر قبل الثورة.

من خلال هذه الخطوات وغيرها من المبادرات، يمكن لتونس أن تسعى نحو تحقيق استقلال ثقافي ولغوي واقتصادي يعكس هويتها الوطنية ويقلل من النفوذ الاستعماري الفرنسي الذي لا يزال يلقي بظلاله السوداء على البلاد. بحيث تنعتق البلاد من الإرث الاستعماري الثقيل المكبل لها وتنفتح على آفاق عالمية أرحب لجلب الاستثمارات والكفاءات مع نفضها للتراب عن موروثها الحضاري العربي الإسلامي المشرف وتصحيح الصورة النمطية التي التصقت ببلادنا كدولة صغيرة تدور في فلك فرنسا سياسيا واقتصاديا وثقافيا ولغويا.


* كاتب وباحث في الإصلاح الإداري



   تابعونا على ڤوڤل للأخبار

Comments


0 de 0 commentaires pour l'article 284339


babnet
All Radio in One    
*.*.*