أسباب النزول

نزلتْ سورة الأعلى على رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- بعد نزول سورة التكوير، وهي السورة السابعة والثمانون من ترتيب سور المصحف الشريف، بدأها الله تعالى بفعل أمر، قال تعالى في مطلعها: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى}، ويستعرض هذا المقال أسباب نزول سورة الأعلى وتسميتها وفضلها.

أسباب نزول سورة الأعلى
هناك العديدُ من أسباب نزول هذه السورة، حيث نزلتْ بعض آيات هذه السورة المكيّة من أجل أن تُعلِّم النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام -رضوان الله عليهم- بعض الأمور المتعلقة بالدين، كما نزلت بعض آيات سورة الأعلى لأسباب أخرى، وفيما يأتي بيان ذلك:


“لمَّا نزلت فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ اجعلوها في رُكوعِكم فلمَّا نزلت سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى قال : اجعلوها في سُجودِكم ، وكان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إذا ركع قال : سبحانَ ربِّي العظيمِ وبحمدِه ثلاثًا ، وإذا سجد قال : سبحانَ ربِّي الأعلَى وبحمدِه”.

كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا أتاه جبريلُ عليه السلامُ بالوحْيِ لَمْ يَفْرَغْ حَتَّى يُزَمَّلَ مِنَ الْوَحْيِ حتى يتكلَّمَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأوَّلِهِ مخافَةَ أنْ يُغْشَى عليه فقال له جبريلُ لِمَ تَفْعَلُ ذَلِكَ قال مخافَةَ أنْ أَنْسَى فأَنْزَلَ اللهُ تباركَ وتعالى سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى.



إنَّ هذه السورة الكريمة تحوي دعوة صريحة معلنة بفعل أمر صريح وهو الفعل “سبِّحْ”؛ أي إنَّ أوَّل مقاصد سورة الأعلى هو الأمر الإلهي بالتسبيح حيث قال تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}، ثمَّ تبيِّنُ الآيات التالية عظمة الله تعالى الخالق البارئ، الذي خلقَّ فحسن الخلق، قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى? * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى? * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى? * فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى?}.
أظهرت سورة الأعلى عظمة الخالق ووضَّحتْ بعض آياته، ثمَّ خاطب الله تعالى رسوله الكريم في الآيات التالية، وبشره بالتيسير والفرج من الله ودعاه إلى تبليغ رسالة الله تعالى وتذكير الناس، قال تعالى: {فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى? * سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى?}، ثمَّ بيّن الله تعالى عاقبة الناس يوم القيامة، فمن اهتدى نجا ومن شقي وعصا سيصلى النار الكُبرى، كما أكد الله تعالى على أنَّ الآخرة خير من هذه الحياة الدنيا الزائلة، وهذا ما اجتمعت عليه الديانات السماوية السابقة، وهذا ما جاء به أنبياء الله جميعًا.
هل سورة الأعلى مكية أم مدنية
سورة الأعلى سورة مكية أنزلها الله -سبحانه وتعالى- على رسوله بواسطة الوحي جبريل -عليه السَّلام- في مكة المكرمة، من سور المفصل، تقع سورة الأعلى في جزء عمَّ؛ وهو الجزء الثلاثين من القرآن الكريم وفي الحزب الستين.
سبب تسمية سورة الأعلى


إنَّ سبب تسمية سورة الأعلى يشبه أسباب تسمية كثير من سور الكتاب، فغالب السور تسمَّى بمطالعها، كسورة الواقعة وسورة عصر وسورة الفلق وسورة الناس وغيرها، وبعض السور القرآنية تُسمَّى باسم قصة ذُكرت في آياتها مثل سورة البقرة وسورة الفيل وغيرها، وسورة الأعلى سُمِّيت بهذا الاسم لأنَّ كلمة الأعلى وردت في مطلع هذه السورة، قال تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}، وقد سُمِّيت هذه السورة أيضًا بسورة “سبِّحْ”، ولكنَّ الاسم المتداول والمنتشر أكثر هو الأعلى، والله تعالى أعلم.

فضل سورة الأعلى

بعد الحديث عن مقاصد سورة الأعلى، جدير بالذكر إنَّ سورة الأعلى تعتبر من السور التي جاء في فضلها عدد من الأحاديث الصحيحة، وكانت معظم هذه الأحاديث تشير إلى أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- كان يقرأ سورة الأعلى في الصلوات المختلفة التي حددها رواة أحاديث رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام-، ومن أبرز ما جاء من أحاديث تبين فضل هذه السورة المباركة ما يأتي:

عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: “أَوَّلُ مَن قَدِمَ عَلَيْنَا مِن أصْحَابِ النبيِّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ وابنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَجَعَلَا يُقْرِئَانِنَا القُرْآنَ، ثُمَّ جَاءَ عَمَّارٌ وبِلَالٌ وسَعْدٌ، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ في عِشْرِينَ، ثُمَّ جَاءَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- فَما رَأَيْتُ أهْلَ المَدِينَةِ فَرِحُوا بشيءٍ فَرَحَهُمْ به؛ حتَّى رَأَيْتُ الوَلَائِدَ والصِّبْيَانَ يقولونَ: هذا رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- قدْ جَاءَ فَما جَاءَ، حتَّى قَرَأْتُ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى} في سُوَرٍ مِثْلِهَا”.
وعن النعمان بن بشير -رضي الله عنه- قال: “إنَّ رسولَ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ- كانَ يقرأُ في العيدَينِ، ويومِ الجمعةِ بِ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} وَهَلْ {أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}، وربَّما اجتمعا في يومٍ واحدٍ فيقرأُ بِهِما”.
وعن عمران بن الحصين -رضي الله عنه- قال: “إنَّ رَسولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- صَلَّى الظُّهْرَ، فَجَعَلَ رَجُلٌ يَقْرَأُ خَلْفَهُ بسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى، فَلَمَّا انْصَرَفَ قالَ: أيُّكُمْ قَرَأَ، أوْ أيُّكُمُ القَارِئُ، فَقالَ رَجُلٌ أنَا، فَقالَ: قدْ ظَنَنْتُ أنَّ بَعْضَكُمْ خَالَجَنِيهَا”.
وسُئلت السيدة عائشة -رضي الله عنها-: “بأيِّ شيءٍ كان يُوترُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ قالت : كان يقرأُ في الأولى بـ: {سبِّحِ اسمَ ربِّك الأَعْلى}، وفي الثانيةِ بـ: {قلْ يا أيُّها الكافرونَ}، وفي الثالثةِ بـ: {قلْ هو اللهُ أَحَدٌ} والمعوِّذتَينِ”.
وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: “قامَ معاذٌ فصلَّى العشاءَ الآخرةَ فطوَّلَ، فقالَ النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلم-: أفتَّانٌ يا معاذُ أفتَّانٌ يا معاذُ، أينَ كنتَ عن: {سبِّحِ اسمَ ربِّكَ الأعلى} و{الضُّحى} وَ{إذا السَّماءُ انفطرت}.


سورة الأعلى - سورة 87 - عدد آياتها 19


بسم الله الرحمن الرحيم

  1. سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى

  2. الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى

  3. وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى

  4. وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى

  5. فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى

  6. سَنُقْرِؤُكَ فَلا تَنسَى

  7. إِلاَّ مَا شَاء اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى

  8. وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى

  9. فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى

  10. سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى

  11. وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى

  12. الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى

  13. ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى

  14. قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى

  15. وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى

  16. بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا

  17. وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى

  18. إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى

  19. صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى