هل يتجرّأ سعيّد على تكليف شخصية من خارج مقترحات الأحزاب والكتل البرلمانية ؟؟

<img src=http://www.babnet.net/images/6/min000.jpg width=100 align=left border=0>


بقلم: شكري بن عيسى (*)

بضع ساعات فقط لا تزال تفصلنا عن انتهاء مهلة العشرة أيام، التي منحها الدستور لرئيس الجمهورية لتكليف شخصية لتكوين حكومة، ولا يعرف الى حد اللحظة ملامح هذه الشخصية بل لا يمكن توقّعها، برغم الاجماع الواسع حول شخصيتي عبد الكافي والتركي. فهل سيتفاعل سعيد مع المقترحات المقدّمة ام سيهرب الى الأمام (كعادته) ليتجّه الى خيار من خارج القوائم المقترحة.

...

لا أحد يخفى عليه اليوم المعادلة الدقيقة القائمة في تكليف "الشخصية الاقدر" لتكوين الحكومة، فمن ناحية الرئيس امام صعوبة بالغة اذا ما اجتهد ووضع بصمة فارقة في التكليف، بالنظر خاصة الى الفشل العميق في التجربة الاولى بعد ترشيح الفخفاخ وما تبعه من فضيحة ستسجل في التاريخ السياسي التونسي، ومن اخرى الرئيس أمام امكانيات واسعة يمنحها له الدستور وتمنحها له التوازنات السياسية القائمة، فالدستور يسمح له بامكانية تأويل "الشخصية الأقدر" كما يشاء، اضافة الى التوازن السياسي الذي يمنحه سلطات واسعة اذ أن رفض مصادقة الاحزاب والكتل على التكليف وما يتبعه من تكوين حكومة، يعيد المبادرة للرئيس ويمنحه سلطة جديدة "اكثر فتكا" تتمثل في منحه حق "حل البرلمان"..

وبالتالي فالصعوبة والتعقيد الذي امام الرئيس يقابله مساحة واسعة للتحرك، وما يزيد في امكانيات هذه المساحة هو واقع الاحزاب العاجزة عن القدرة السياسية، فالاحزاب تفتقد لكفاءات تمتلك المؤهلات من جهة ولها مصداقية وتتمتع بالنزاهة ويمكن ان تحوز مقبولية شعبية ولدى بقية مكونات المشهد السياسي، فاغلب الترشيحات ان لم يكن كلها لا ترتق في الحد الادنى للمطلوب اليوم، بالنظر لمواصفات ومعايير رئيس الحكومة بصفة عامة من حيث القدرات والتكوين العلمي والخبرة فضلا عن الجانب الاخلاقي، وايضا بالنظر للتحديات والمستوجبات الحالية التي تستلزم شخصية بقدرات مميزة تكنوقراطية ولكن ايضا سياسية.

فالأزمة اليوم بقدر ما هي اجتماعية واقتصادية ففي عمقها سياسية، ولا يمكن القبول بحال بشخصيات "تقنية" ستعجز بل ستنهار امام اول أزمة، فالشخصية التكنوقراطية ليست لها عموما المؤهلات التواصلية والسياسية للتفاوض وايضا للخطابة لتجاوز الازمات القادمة، فرأس الحكومة لا يمكن بحال ان يكون بلا مؤهلات سياسية ومسار سياسي مميز خاصة في هذا الظرف الدقيق الحساس، بعد انهيار اقتصادي عميق على انقاض جائحة كورونا وفضيحة سياسية-اخلاقية مدوية وافتقاد الثقة في السياسيين بوجه عام، وفضلا عن ذلك فالمرشحين من الاحزاب اغلبهم حتى بالمعنى التكنوقراطي لا تتوفر فيهم الحدود والشروط الدنيا.

فعبد الكافي او خيام التركي هي مجرد اسماء تم النفخ فيها والدعاية لها، وتشكيل اسطورة جوفاء منها وهي في الحقيقة بلا رصيد ولا مؤهلات تسمح لها حتى بشغل خطة كاتب دولة، فرأس السلطة التنفيذية في مستوى الحكومة وجب ان تكون له تجارب وزارية متعددة ناجحة ومسيرة حافلة من الانجازات، وهو ما لا يتوفر في كلا المرشحين الاكثر اجماعا من بين الاحزاب والكتل، واضافة الى ذلك ونحن لازلنا على اطراف فضيحة مجلجلة لا يمكن بحال الاطمئنان شعبيا وذوقيا وايتيقيا وسياسية لشخصيات لازالت حولها شبهات راسخة، والاجدر اختيار شخصيات لا مأخذ عليها من الناحية الاخلاقية والسياسية والقانونية ايا كان.

والبقية طبعا اكثر ضحالة في المؤهلات والقدرات بل ان البعض على غرار وديع الجريء ورضا شرف الدين وحاتم المليكي، تعتبر ترشيحات فلكلورية باتم معنى الكلمة ولا تتوفر فيها ادنى معايير الجدية واحترام مؤسسات الدولة والناموس السياسي والشعب، والاحزاب اثبتت عجزا مقرفا في تقديم مرشحين من داخلها ونفس العجز في بنك الشخصيات المقربة منها، وهذا في تواصل مع العجز في تقديم كفاءات ذات مصداقية في اغلب الحكومات السابقة، بل ان الهاجس الاساس لم يكن الكفاءة بقدر ما كان التبعية وضمان شبكة الامان خاصة للنهضة وقلب تونس، ولا يمكن النأي بالتيار الذي عجز هو الآخر على اختيار شخص واحد من داخله باقتراحه ثلاثة أسماء كاملة.

هذا الامر سيستثمر فيه قيس سعيد وهو الاخر الذي يعاني من نفس هواجس شبكة الامان، فسعيد في ظل وضع داخلي متأزم وخارجي دولي واقليمي اما متفجر او مناوىء وحتى معادي، هو ذاته يبحث عن توفير شروط استقرار مؤسسة الرئاسة واستقراره الخاص، ناهيك انه لم ينجح حتى مع من انتدبهم ذاته كمعاونين ومساعدين، اخرهم وزير الخارجية الريّ وقبله مدير الديوان الرئاسي بالطبيب الذي رافقه في حملاته الانتخابية، سعيد ينطلق من نفس الهواجس -اذا- ولكن من زوايا مختلفة عن الاحزاب، اذ تصادمه كبير مع الاحزاب ذات الاغلبية وبالتالي فاي اجماع من ناحيتها حول شخصية لن يكون في واد مصالحه، وعبد الكافي على سبيل المثال الشخصية الاكثر تزكية ستكون على الاغلب الاكثر نفورا من ساكن قرطاج، لما حولها من سند ولكن ايضا لعلاقتها بالقرابة مع الخصم الاكاديمي-الشخصي عياض بن عاشور.

وحتى حكيم بن حمودة الشخصية الاقل طموح سياسي و"شقشقة" والقريبة من اتحاد الشغل فقد لا تروق لسعيد، من ناحية ارتباطها سابقا مع حكومة جمعة وهو ما سيفرز حكومة باعضاء من تلك الحكومة، وهذا ما لا يقبل به الرئيس عاري الكتفين من الناحية الحزبية في العموم، وكل هذه الاعتبارات قد تفتح شاهية الرئيس وهذا مرجح بقوة للبحث خارج قوائم الاحزاب والكتل، فلا المؤهلات ولا الخبرة ولا المصداقية ولا الاشعاع الشعبي يشفع لاغلبية المرشحين، وهو ما يفتح الباب لشخصية من الخارج قد تكون الشخصية التي فكر فيها سعيد عند تكليف الفخفاخ، الذي كان تقريبا في ذيل الترتيب من ناحية عدد التزكيات ومع ذلك كلفه بتشكيل الحكومة.

سعيد لازال ايضا يعتدّ برصيد شعبي سواء ممن انتخبوه او ممن لازالوا للحظة يدعموه وهو رصيد يفوق المليوني شخص، وهذا فضلا عما ذكر يسمح له بهامش حرية ونفوذ سياسي لتقديم مرشح من خارج المقترحات، وهذا ما سيجد فيه دعما شعبيا الى حد ما معتبر بل ان اكثر انصاره يتجاوبون مع كل ما يتناقض وطروحات الاحزاب، وصاروا في عديد الحالات ينتظرونها ويصفقون لها بقوة وينتشون لحصولها، فهل سيكون "الاخشيدي" وفيا لسوابقه ويوجه الصفعة في وجه الاحزاب، ويقترح "الشخصية الاقدر" من خارج المقترحات ويحقق في نفس الوقت سند شعبي يحتاجه اليوم في منعرج دقيق ؟!


(*) باحث في الفلسفة السياسية والقانون العام



   تابعونا على ڤوڤل للأخبار

Comments


2 de 2 commentaires pour l'article 207815

Aruodg  ()  |Samedi 25 Juillet 2020 à 13h 55m |           
Je ne suis pas d'accord avec l'auteur quand il dit que les parties n'ont pas les compétences pour donner un bon candidat

le problème est aucun partie n'a une majorité pour pouvoir travailler convenablement
le vrai problème et la vraie source de blocage est la loi électorale que notre président refuse de signer et donc la mettre en vigueur

Jraidawalasfour  (Switzerland)  |Samedi 25 Juillet 2020 à 11h 24m |           


babnet
All Radio in One    
*.*.*