عزلة الجهات الجبلية تحت الثلوج.. ظلم الجغرافيا والتاريخ ولا انسانية السلطة

<img src=http://www.babnet.net/images/2b/5c3a3fc86282c5.78760474_hlmnfkgjeqopi.jpg width=100 align=left border=0>


بقلم: شكري بن عيسى (*)

أتذكر ونحن صغار نفرح لما نتمكن من الخروج من المنزل.. بعد أن نضع "البالة" داخل الغرفة لنفتح بها الباب الذي نجده مغمورا بالثلوج.. واحيانا نضطر لاستعمال الماء الساخن لاحداث الفجوة.. ولا نكاد نحس بالبرد والصقيع مطلع اليوم الاول.. فالحلّة البيضاء تبدو جميلة بديعة حد الروعة التي تعطل ملكة الخيال.. فتنسى معها البرد لانك تعيش تحت وقع الدهشة التي تنطلق معها كل الانفعالات..

...

والانطلاقة تكون من الارتماء في باحة الثلوج المحيطة بالمنزل.. والنشوة لا تقاس ولا تقدر فالحدث جليل عظيم.. ولكن الامر يصبح بمجرد انقضاء نصف اليوم الى وضعية قاسية.. فالبرد يبدأ في التسرب الى الاصابع والعظام والصقيع يتجاوز اليدين الى الساقين.. وطبعا بقية السلسلة من المدرسة التي تفتقد للتدفئة الى المنزل الذي لا تكفيه مدفاة البترول البسيطة او الكانون.. اما الليل فهو الخيار بين ترك الكانون ومخاطر الزنزانة القاتلة والبرد الهالك..



مكثر عين دراهم تالة الكاف.. كلها جهات تطالها الثلوج سنويا مرة ان لم تكن مرتين.. الاولى في الليالي البيض اواخر ديسمبر وبداية جانفي والثانية أواخر مارس.. جهات ظلمتها الجغرافيا والطبيعة القاسية.. التي تضع على المتساكنين مشاق الطقس وصعوبة التضاريس وطبعا البعد عن العاصمة.. والمصاريف تضاعف في هذه الجهات في مواجهة الصحة حيث حالات المرض اليومية.. وطبعا ارتفاع مصاريف التدفئة والملبس والاكل الاضافية..

والعزلة الاكبر في غياب او نقص المرافق ومصالح الدولة.. التي تتراخى وتغض الطرف ولا تلتفت.. وفي عديد الاحيان تفعّل اساليب الزابونية وتكريس الاستجداء.. عبر تكريس اوضاع الكفاف من خلال مؤسسة التضامن الاجتماعي الذراع الفعّال للحزب.. هذه الدولة التي لا ترى في هذه الجهات الفقيرة الا خزان للانتخاب.. والعلاقة بالفعل مباشرة بين الفقر والخصاصة وانتخاب رجالات السلطة.. فكلما يزداد البؤس يزداد الخوف من قطع فتات السلطة وبالتالي ربط الوجود بدعم السلطة..



جهات على امتداد عشرات السنين تئن تحت قساوة الطبيعة.. فالبعد عن المدن الكبرى يعني نقلا اضافيا ويعني تعليما مبتورا.. بل تعليما سيئا في منطلقه فهذه الجهات لا يرمى لها الا بالمتربصين من الاساتذة وفي احسن الحالات الفرنسيين الذين يقضون بدل الواجب العسكري سنة تدريس في تونس.. وطبعا التنمية الغائبة والشغل المفقود والتجاهل والتهميش بل الاقصاء يضاعف حدة الوضعية الطبيعية ويزيد في الحصار ويعمقه..



من دولة تلغي جهات بعينها وتتجاهلها وتسحقها.. وزيادة تبتزها وتعمق الفقر فيها وحياة الكفاف لاستغلالها رصيدها الانتخابي "السخي".. وزيادة فالدعاية السياسية تكون على اشدها واليوم نرى الشاهد يرسل وزراء فقط للصور وبعض الفلكلوريات.. والعجز بالفعل عميق في منوال التنمية وفي التحضر للمخاطر وفي مواجهتها وفي ارساء سياسة في العمق جذرية لفك العزلة الشاملة.. وحتى التمييز الايجابي الذي جاء به دستور الزيف اليوم خمس سنوات كاملة لا يطبق.. في استمرار لمزيد التنكيل والاقصاء الذي تتأكد منهجيته..

ولا غرابة من سياسيين لا يشغلهم سوى الكراسي.. سياساتهم لا تتجاوز اليومي.. بل لا تتجاوز جدران مكاتبهم الضخمة وسياراتهم الفخمة والنزل الفارهة التي يرتادونها.. بالمرافقة الامنية والحراسة والبروتوكول والمراسم حيث لا اكتضاض ولا تعطيل.. ومن اين سيشغلهم وضع جهات منسية.. لا يسمعونها الا عندما تحتد البشاعة وتفوح روائح القتل بالدم البارد.. القتل الواقعي بضرب الصحة والشغل ومرافق الحياة.. او القتل الادبي عبر تهميش مرافق التعليم والارتقاء المعنوي والرمزي.. فيظهر حينها ان للتاريخ مكره الذي يفوق كل مكر وكل تجاهل واقصاء لفرض الردع وتوازنه..


(*) قانوني وناشط حقوقي



   تابعونا على ڤوڤل للأخبار

Comments


3 de 3 commentaires pour l'article 174954

Zeitounien  (Tunisia)  |Lundi 14 Janvier 2019 à 08h 11m |           
كلمة ظلم الجغرافية محاربة للإسلام لأن الله تعالى هو الذي خلق وصور الجغرافية وهو عادل وليس ظالما سبحانه وتعالى عما يشركون.

Consensus  (France)  |Dimanche 13 Janvier 2019 à 20h 41m |           
C 'est le région qui était la plus estimée par le colonisateur et avait une activité au siècle dernier et meme une région qui avait une ame d'allah et ses habitants ont de la patience et de l'endurance barakat allah existe meme l'ex président algérien boumedienne a demandé gentiment cette région au laique président bourguiba lors de leur rencontre a la frontière tuniso algérienne pour la sauver de la misère mais le pseudo combattant supreme
a naturellement refusé pour laisser la région sous sa coupe et aura tout le loisir de l'a maltraitée l 'a délaissée l'affamée et l'a méprisée avec la complicité des sahéliens et sfaxiens mal élevés non posés racistes et sans valeurs humaines guidés par le sionisme.

Jraidawalasfour  (Switzerland)  |Dimanche 13 Janvier 2019 à 09h 00m |           
إنشاء الله 🚜 تم بالفعل 🛠الاستعداد🛠 الأمثل لموسم الشتاء وتساقط الثلوج

إنشاء الله 🚜 تم بالفعل 🛠الاستعداد🛠 الأمثل لموسم الشتاء وتساقط الثلوج

إنشاء الله 🚜 تم بالفعل 🛠الاستعداد🛠 الأمثل لموسم الشتاء وتساقط الثلوج

إنشاء الله 🚜 تم بالفعل 🛠الاستعداد🛠 الأمثل لموسم الشتاء وتساقط الثلوج


babnet
All Radio in One    
*.*.*