لقد تعطلت مصالح العمال والتلاميذ والطلبة والموظفين أمام امتناع شركات النقل من تأمين سفراتها الاعتيادية فامتعض الجميع من هذا الصنيع وزاد امتعاضهم حين علموا بطلبات المضربين التي تتمثل في منحة الانتاج، وهي بضعة دنانير، لم تصرف الى حد الان من قبل الوزارة. لقد استدركت نقابات التعليم فسارعت باعلان أجندا الاضرابات و هيئوا لذلك التلاميذ والأولياء رغم استعار القطاع باضراب تلاميذ الباكالوريا الذي لا يعلم له سبب التوقيت. اضرابات أخرى تبرمج على عجل لتواكب تكوين الحكومة واصدار تشكيلتها فتتغير فرص العرض والطلب و يستقوي الخاسر على الرابح و ينحني صاحب الأغلبية أمام ضغط الشارع والنقابات.
أضحى على مراد الله من يرتع لاعبا في مقدرات الشعب فيوقف انتاج الفسفاط و يعطل حركة النقل سياسيا معارضا يحسب له ألف حساب و يشترى صمته و رضاه. وقد تعرض عليه آليات النهوض بالاقتصاد فيبدي رأيا أحمقا فيها ويشترط اقصاء أطراف دون أخرى لمجرد ترهات ايديولوجية و جهوية هدمت آمالنا في الثورة لأربع سنين خلت و أرهقت مزاجنا اليومي بالمنابر الاعلامية المسعورة، أين تعلمنا السب والشتم والقذف والنميمة والخداع. لم يعد للتفاوض الاجتماعي معنى غير ليّ ذراع الشعب حكومة و رعيّة لتمرير أهداف وغايات ضيقة تخدم طرفا بعينه دون غيره و تمنحه بضع أصوات في الانتخابات أو بعض مراكز القرار أو السلطة في قابل الأيام. ان الجبهة الشعبية المعتمدة كليا على حضورها النقابي الذي تعرّى جليا للجميع فأصبح مكشوف العورة لا يكاد يختلف عليه اثنان، قدّرت أن ابعادها عن تشكيل الحكومة أمر غير مقبول ولن يمر بسلام، فهاهي تلعب ورقة الاضراب والتشنج الاجتماعي علّها تغيّر بنود التوافق، فتلملم جراح الانتخاب و تدفع بالبلاد نحو سلسلة احداث تحملها الى فترة انتقالية آخرى، فلا يستقر فيها عيش وينهار اقتصادها بوتيرة أسرع فتعم الفوضى و تلتحق بمطاف دول الربيع العربي التي أربكها الاقتتال والارهاب والتدخل الخارجي. متى تستفيق هذه الجبهة النقابية من حلم السلطة والصعود الى سدة الحكم عبر الاحتجاجات الغير منظمة والاضرابات العشوائية المغرضة، ومتى تميل الى العمل السياسي الهادف الذي يجلب احترام المتعاطفين والمنافسين على حد السواء فتكون مكوّنا سياسيا هاما يحافظ على الديمقراطية و مبدأ التداول السلمي على السلطة.