اليسار يساران

<img src=http://www.babnet.net/images/2b/5c477f731462c8.97843696_eknjihgofplqm.jpg width=100 align=left border=0>


مصطفى عبدالله الونيسي
باريس- فرتسا


صورتان لليسار ارتسمتا في ذهني لم استطع التخلص منهما إلى الوقت الحاضر.
...


صورتان :

1 ـ اليسار التونسي :
صورة أولى هي من نصيب اليسار التونسي ، و هنا أقصد باليسار التيار الأغلبي و الأكثر ضجيجا، و هي صورة كئيبة تثير في نفسي الرّعب والخوف .
فهذا اليسار لا يذكرني بشيء إلا بعدوانيته الأبدية و عداءه للدّين واستفزازه لهوية الشعب وأعراف المجتمع وارتباطه بالخارج و استعداده للتحالف مع الشيطان لتحقيق أهدافه الحزبية و تكريس مسلماته وطقوسه التي تربي عليها في معابده و أديرته الايديولوجية الغريبة عن ثقافتنا العربية و الإسلامية .
وهي طقوس في أجندته الإيديولوجية لا تزال متلبسة بسياقاتها التاريخية المتأثرة بمحيطها الأوروبي الديني و الفلسفي الذي نشأت فيه، رغم تطور العالم و سقوط قلاع الشيوعية و الاشتراكية العلمية في أوروبا الشرقية قلعة بعد قلعة.
هذا الانطباع عن اليسار التونسي تمكن من مشاعري و فرض نفسه عليّ إلى درجة أني في كثير من الأحيان إذا نظرت إلى أحد من زعماء هذا التيار لا أرى فيه إلا شخصا متشنجا ناقما و حاقدا على المجتمع خاصة المحافظين منه.
لقد حاولت مرارا تطبيع علاقتي مع هذا النوع من اليساريين على أساس أنّنا شركاء في الوطن ، و لكن بسبب غرور هؤلاء و احتقارهم للتونسي العادي واستهتارهم بالقيم فشلت فشلا ذريعا في تطبيع علاقتي بهم.
أعترف أنه انطباع غير موضوعي ولكن هكذا قيّمت اليساري في بلدي إلا القليل منهم. فهو انطباع قد يكون نمطيا ولكنه انطباع فرض نفسه عليّ و لم أستطع التخلص منه .


2 – اليسار الأوروبي :
أمّا الصورة الثانية التي انطبعت في ذهني عن اليسار فهي صورة اليسار الأوروبي عموما والفرنسي خصوصا من خلال متابعتي للحراك السياسي الفرنسي منذ زمن بعيد بحكم إقامتي في فرنسا، و هي صورة إيجابية جدا ، تختلف عن صورة يسارنا في تونس ولعله من حسن حظي أنّي تعرفت على يسار آخر حتى لا أعمم صورة اليسار التونسي على كل أحزاب اليسار في العالم.
فاليسار الفرنسي يؤمن فعلا بعلمانية الدولة و بحرية الاعتقاد و لا يحاكمك على أفكارك ، فكل مواطن فرنسي يتمتع بنفس الحقوق و مطالب بأداء نفس الواجبات سواء كنت ملحدا أو مؤمنا.
ومن المفارقات العجيبة أنّ اليسار الفرنسي و خاصة منه ذاك الذي ينعته الإعلام بالراديكالي، هو الأكثر انسانية و نضالية من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية . و هو الأكثر تبنيّا و تشبثا بالمطالب التقدمية التي يمكن أن تتصورها في ذهنك. ولعل السبب في ذلك هو تحرره من إكراهات " السيستام" أي الحكم . فاليسار في أوروبا بقدر ما هو متجذر في مواقفه و مصر عليها ، بقدر ما هو انساني و منخرط في الدافع عن حقوق المواطنين العاديين من الطبقة الوسطى و الفقيرة . أما اليسار عندنا فبقدر ما يتطرف ، بقدر ما يزداد عنفا واستئصالا لمخالفيه و منافسيه .
ثنائية التفاعل مع الخطاب اليساري :
و من غرائب هذا الزمان أنني عندما أستمع إلى خطاب الائتلاف اليساري المتمثل في " الجبهة الشعبية" و سلوك كثير من زعمائها يصيبني الغثيان و الإحباط و وجع الرأس و حتّى الأقدام و سائر مفاصل الجسد.
في حين أنني عندما أشاهد مواقف تيار " فرنسا العصية" La France insoumise و خطاب زعمائها ابتهج و ينشرح صدري و يعود لي الأمل في انتصار الاحرار في العالم على دوائر الاستكبار العالمي المالي والسياسي في يوم من الأيام .

لقد أطلعت بكل اهتمام على برنامج " La Françe Insoumise" في الكتاب الذي كتبه زعيم هذا التيار في الانتخابات الرئاسية الفارطة : المستقبل المشترك" "L'avenir en commun" : Jean luc mélenchon
فوجدت نفسي متناغما مع مضمونه تماما لما اشتمل عليه من أفكار و مطالب تقدمية تضع الانسان في المقام الأول من اهتماماتها على عكس المنظومات المالية التي تستغل الانسان و تنهكه ، بل وتستغل شعوبا بأكملها و تسرق ثرواتها من أجل تكديس الثروة في أيدي فئة قليلة لا تتجاوز 20/ 100 من سكان المعمورة البشرية .
عندما أرى هذه المواقف الانسانية لهذا اليسار الانساني أقول في نفسي ، بل و أجزم لو أنّي كنت فرنسيا لانتميت لمثل هذه التيارات اليسارية و لا أتحرج من ذلك، بل أتعبد الله بذلك.
فما سرّ هذه المفارقة بين اليسار في تونس و اليسار في العالم و خاصة في البلدان الديمقراطية و بعضا من بلدان أمريكا اللاتينية.
لماذا هذه الهوة السحيقة في الخطاب و المضامين و السلوكيات بين اليسار في فرنسا و اليسار في بلدنا تونس
لماذا اليسار هنا نخافه و نحذر منه ، و هناك نطمئن إليه و ننخرط فيه ؟


لعل الفرق بينهما أن اليسار في العالم الديمقراطي كان قد قام بنقده الذاتي و تطور والتصق بهموم المواطنين و انحاز إليهم فأصبح صوت من صوت له، و لذلك نجد في آخر إحصائية و أحدثها أنّ 70/ 100 من مطالب " السترات الصفراء" التي يعمل ناشطو هذه الحركة على تحقيقها هي موجودة في برنامج تيار اليساري الانساني "La France Insoumise" مع العلم أن حركة " السترات الصفراء " هي حركة اجتماعية مدنية مستقله و لا علاقة و لا ولاء لها بالأحزاب و المنظمات النقابية.
أمّا اليسار في بلادنا فقد بقي سجينا لمسلماته الإيديولوجية التي أكل عليها الدهر و شرب و تجاوزها حتي أهلها الأوائل ، فبقي معزولا و منبوذا لا تأثير له في الواقع إلا بما يوفره له الأجنبي من امكانيات و اختراقات و مؤامرات انقلابيه، و من كان هذا سلوكه فلن يكون إلا عميلا يعيق شعبه عن التطور و النهضة و الانتقال الديمقراطي .
هذا انطباعي عن اليسار التونسي عموما مع إعتذاري المسبق إلى رموز اليسار الوطني الذين نحترمهم و نعول عليهم ليكونوا البديل المطروح لمنظومة الائتلاف الحاكم ، والذين أعتبر نفسي أنتمي اجتماعيا إلى تيارهم و لنا عودة لهذا الموضوع بالتفصيل إن شاء الله تعالى.



   تابعونا على ڤوڤل للأخبار

Comments


3 de 3 commentaires pour l'article 175583

Tfouhrcd  (Finland)  |Mercredi 23 Janvier 2019 à 09h 21m |           

يسارنا يسار التدمير و يسارهم يسار تعمير ولكن لا ننسى أن الممول الرسمي ليسارنا هو اليسار الفرنسي و لذى بعملية منطقية نفهم انه في عمق العقلية الفرنسية كره كبير لنمو الضفة الجنوبية للمتوسط

BenMoussa  (Tunisia)  |Mercredi 23 Janvier 2019 à 08h 45m |           
مقال فيه كثير من الحقائق كما فيه مبالغة وتلميع لليسار الفرنسي

MOUSALIM  (Tunisia)  |Mercredi 23 Janvier 2019 à 07h 18m |           
ألف تحية وتحية صباحية الى الجميع والبداية مع هذا العنوان الطريف اليسار يساران ومن المؤكد أن الكاتب يقصد أن الدماغ دماغان .دماغ علوي ودماغ سفلي دماغ الجمجمة ودماغ البطن دماغ ترابي ودماغ ناري دماغ معرفي متطور ودماغ انفعالي غريزي دماغ السابينس ودماغ النياندرتال دماغ تعود على انتاج الثروة ودماغ تعود على جمع الثمار دماغ يشيد المدن الحديثة ودماغ هوايته الغزو لتدمير المدن دماغ يقوده هابيل ودماغ يقوده قابيل دماغ يؤمن
بالتعايش مع المختلف ودماغ ينشد اللون الواحد دماغ دائم الابتسام ودماغ مدمن على التكشير عن الأنياب دماغ يؤسس للتنافس الرياضي ودماغ يصر على تنافس الحلبات الرومانية لتصفية الخصم .


babnet
All Radio in One    
*.*.*