صمت هيئة الرقابة المطبق.. يضع السبسي في ورطة عميقة

<img src=http://www.babnet.net/images/1b/sebssi2015720.jpg width=100 align=left border=0>


بقلم: شكري بن عيسى (*)

لم يثر هذه الاشهر حدث صَخَبًا وضجيجا سياسيا واجتماعيا واعلاميا أكثر مما اثاره الصمت المطبق لهيئة رقابة الدستورية حول مشروع قانون "المصالحة"، صمت فجّر الصراخ في كل الاتجاهات يمينا ويسارا داخليا وخارجيا، وأطلق العنان للتأويلات والشبهات والاتهامات، ووضع رئيس الجمهورية في وضع دقيق بالقاء الكرة في ملعب الرئاسة التي صارت اليوم محطّ كل الانظار لتصدر قرارها قبل انتهاء هذا الاسبوع.

...

الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين، المطالبة بالحسم في مدى مطابقة مشاريع القوانين مع المعيار القانوني الاعلى، آثرت الصمت الرهيب وتوارت عن الانظار ووضعت راسها في التراب، في الوقت الذي يستوجب ان يرتفع صوتها وتظهر صورتها ويعلو راسها عاليا، لتقول القول الفصل فيما عجز الجمع عن حسمه، واستعصى عن الشعب فهمه ومعرفة الخطأ فيه من الصواب.

وعرّضت نفسها بذلك للنقد العميق، لانها أخلّت بوظيفتها الرئيسية التي بعثت من اجلها، باعتبارها "الحارس اليقظ للدستور"، ما جعل الاصوات تنادي بالغائها لتفصيها من مسؤولياتها بعد أن انكرت العدالة "deni de justice"، وبالنظر ايضا الى ما شاب اعمالها من تسريبات أخلّت بحياد اعضائها واستقلاليتهم، وخذلانها كل من انتظر قرارها الحاسم خاصة من الطلبة والاكاديميين الباحثين في كليات الحقوق والسياسيين، وتخلّت عن صلاحياتها في قضايا واشكاليات ذات رهانات عالية القيمة القانونية والسياسية تطرح لأول مرة، في علاقة بمبادىء دستورية عديدة.

والأمر انتهى بعد التمديد بتعادل بين الاصوات، ثلاثة (3) "ضد" دستورية مشروع القانون، يعتبرونه غير دستوري وغير ملائم لمقتضياته ومبادئه، ومثلهم اي ثلاثة (3) "مع" دستورية مشروع القانون، يعتبرونه مطابقا لاحكامه واسسه، انقسم معه المشهد الى قسمين، قسم (او شق) أول يعتبر أن رأي هيئة الرقابة أقر بلا دستورية مشروع القانون باعتبار أنها لم تقض بدستوريته، وشق ثاني يرى أن الهيئة اقرت دستورية مشروع القانون باعتبار أنها لم تسقطه، والتحليل كله انبنى على طريقة التأويل بالخُلف "raisonnement à contrario".

والالتباس والغموض زاد في تعقيد الامر خاصة على عموم الشعب، وفي النهاية تمت احالة مشروع القانون الى الرئاسة، المطالبة دستوريا باحد الخيارين التالين، اما ختمه واصداره ونشره وجعله نافذا، أو ارجاعه الى مجلس نواب الشعب للتداول فيه ثانية والتصويت عليه وفق مقتضيات جديدة مختلفة عن الأولى، وفي كلتا الحالتين فالرئاسة وجدت نفسها في ورطة كبرى، فهي صاحبة المبادرة في المنطلق، وهذا ما يجعل موقفها ضعيفا لو انحازت الى الدفاع عن مشروع القانون، وساندت انصاره على حساب الحياد والاستقلالية.

صاحب المشروع وضعته هيئة رقابة الدستورية في مأزق عميق، فهو محل تجريح مسبق في قراره، وهو متهم بالانحياز باعتباره "خصما وحكما" في نفس الوقت، وزيادة فهو بموجب الدستور "رمز الوحدة الوطنية" و"الساهر على احترام الدستور"، والانحياز لمشروع القانون يجعله متجاهلا لرأي الاعضاء الثلاثة (3) لهيئة رقابة الدستورية الذين اعتبروه غير متلائم مع الدستور، كما يجعله غير مكترث بموقف الشق السياسي والشعبي الذي يطعن في دستورية مشروع القانون، وبذلك يزيد في فقدان مشروعيته المتآكلة اصلا، بجعل نفسه رئيسا لفئة سياسية من الشعب ومستثنيا أخرى وغير حريص على الدستور المؤتمن على احترامه.

والمشكل الاكبر أنه "محاصر" بعد أشهر بالمحكمة الدستورية التي ستعوّض هيئة مراقبة دستورية مشاريع القوانين قريبا، من خلال الدفع بعدم الدستورية من أحد الخصوم عندما يتحوّل القانون (ان تم اصداره) لتطبيقه في المحاكم، وفي هذه الحالة تكون عملية "اسقاط" القانون او مجموعة من مقتضياته "صفعة" سياسية حادة في وجه "حامي الدستور"، وسيفقد بذلك ما بقي له من مصداقية ومشروعية مهترئتين، والمأزق بالفعل كبير لرأس السلطة التنفيذية الذي ستحاصره الدستورية "البعدية" (عبر الدفع امام المحاكم) ان أصرّ على المرور "بقوّة" واصدار القانون.

في المقابل سينطوي ارجاع مشروع القانون الى البرلمان للتداول فيه من جديد على مخاطر كبيرة، فالسبسي يمكن أن يخسر مشروعه (او ما بقي منه من اشلاء) ويخسر بذلك مبادرة لطالما اعتبرها ضرورية ودافع عنها، وتحدى بها الجميع وفرّق بها المجتمع والمشهد السياسي، وخسارتها تعني ترهّل مركزه وهشاشة موقعه كرأس للسلطة التنفيذية، وهذه المرّة أغلبية المصادقة المستوجبة على مشروع القانون لن تكون الاولى (اي 109 عضو)، فالدستور يفرض اغلبية جديدة معزّزة (اي ثلاثة أخماس أعضاء المجلس: 131 عضو)، وهو أمر سيصبح معقّدا جدا باعتبار وأن المصادقة الأولى كانت ضعيفة جدا ولم تتجاوز 117 صوتا (اي بفارق 14 صوتا).

كما أن رئيس الجمهورية مطالب بتعليل ردّه مشروع القانون لمجلس النواب، وبذلك فالمجلس سياسيا سيتجه الى اجراء تحويرات ولو بسيطة، ما سيزيد في افراغ ما بقي في مشروع القانون من اشلاء، ويفرض بالمقابل (مادام هناك تعديل) قبل الختم (من الرئاسة) احالة مشروع القانون وجوبا على الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين للنظر في دستوريته من جديد، مع احتمالات الاسقاط خاصة هذه المرة بعدم وجود اشكالية سحب الامضاءات التي قام بها نواب من الوطني الحر، اضافة الى تقديم عريضة طعن اكثر صلابة في متنها، والاعتماد على التسريب لتقرير اولي عن راي المجلس الاعلى للقضاء، الذي اعتبر مشروع القانون غير مطابق للدستور في عديد المقتضيات، سيزيد في تعزيز حظوظ الطعن.

ورطة كبرى للسبسي هذا الاسبوع بعد اعتصام هيئة الرقابة بالصمت خاصة وأن أجل التقرير ليس طويلا، اربعة (4) ايام كحد اقصى (احتسابا من يوم الثلاثاء 17 اكتوبر) في صورة اختيار ختم القانون والاذن بنشره، وخمسة (5) ايام كحد اقصى في صورة اختيار رد مشروع القانون للمجلس النيابي، ورطة كبرى مع اختلاف عميق هذه المرة أن الخيارات ستكون ضيقة كثيرا وهامش المناورة سيكون محدودا جدا، والحصار سيكون شديدا ومن كل الجهات، وكل اتجاه ستكون كلفته باهضة والاختبار سيكون صعبا للغاية!!

(*) قانوني وناشط حقوقي



   تابعونا على ڤوڤل للأخبار

Comments


7 de 7 commentaires pour l'article 149529

Mandhouj  (France)  |Samedi 21 Octobre 2017 à 18h 55m |           
هل سيساوم الباجي ؟ انتخبوا ابني في دائرة ألمانيا ، اسحب القانون ..
كل السلطة الحاكمة في ورطة .. و الحل يكون عبر حوار وطني ، شجاع .. هم تونس هو هم الجميع .. الصراع الطبقي اليوم مربوح مائة في المائة من طرف اللوبيات المتنفذة .. تونس قامت بثورة حتى يساهم الجميع في بنائها .. لماذا تعطيل المسارات الدستورية ؟ لماذا تأجيل الإنتخابات البلدية .. الجميع يقول أن عدو التنمية هي البيروقراطية المركزية ، الجميع يجمع على ذلك .. لماذا التماطل في الذهاب لنظام لامركزي ؟ السلطة يجب أن تجيب ....

Mandhouj  (France)  |Samedi 21 Octobre 2017 à 18h 49m |           
Mandhouj (France) |Vendredi 20 Octobre 2017 à 15h 42m | Historique de mandhouj
Normal bajbouj est pressé pour pays ses dettes de deux campagnes électorales 2014, pour toute l'argent engagée pour bâtir Nida tounis ... il a le revolver sur la tempe ... et là , et les membres de cette institution , lui ont balancé le ballon dans son camp.. comme s'ils lui disaient, prend seul la décision! ils ne veulent pas être témoins ou complice d'une lourde spoliation !

peut-être ça aussi ! même si ça fait rire .

Et puis comme on le sait tous , des tels combats ne se gagnent pas dans les instances et à la l'ARP, mais dans la société, par construire des rapport des forces au bénéfices, de la révolution.

il faut un dialogue national pour sortir avec une feuille de consensus de valeur.

MOUSALIM  (Tunisia)  |Samedi 21 Octobre 2017 à 16h 42m |           
تحية مسائية إلى الجميع ونبدأ بالرئيس المحاصر في الفخ الذي نصبه لنفسه .هذا يؤكد أنه على مشارف الهزيمة حسب الكاتب وإن صح التكهن فهذا يذكرنا بصن تزو في فن الحرب --أرفع أنواع المعارك هي تلك التي لا تخوضها والتي يقدمها لك الطرف الآخر على طبق من ذهب --ولا تبحث في المعارك عن النصر بل إبحث عن أخطاء خصمك التي تمنحك النصر بسبب غبائه -

Nasehlelleh  (Tunisia)  |Samedi 21 Octobre 2017 à 11h 33m |           
الديمقراطية المسطنعة اخطر بكثير من الدكتاتورية المتمكنة لان الاخيرة وان تسلب لفئة معينة من الشعب حريته فهي تعطي للاغلبية الامن والاستقرار واحيانا النماء على عكس الاولى اي ديمقراطية عندكش عندي فهى لاتحمل للاغلبية الا الشعارات الرنانة ولا تخدم الا الفئة القليلة. واحسن مثل لما اقول هو ان دمقراطيتنا الفتية التي بشرت بها الثورة همشت ودمرت الاغلبية الواسعة من الشعب مقابل ارضاء طموحات القلة من المغضوب عليهم زمن ما قبل الثورة

Nouri  (Switzerland)  |Samedi 21 Octobre 2017 à 09h 31m |           
السبسي مستقبله وراه فهو لا يخش شيئا وتحدى حتى الخالق فما بالكم بمواطنين نعتهم عند الاعلام الغربي بعد الثورة بشعب جائع فقط، لذلك قولته الشهيرة "برة رهز"

Fessi425  (Tunisia)  |Samedi 21 Octobre 2017 à 09h 01m |           
بسم الله الرحمن الرحيم
وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (39) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (40) ۞

Hindir  (Tunisia)  |Samedi 21 Octobre 2017 à 09h 01m | Par           
الباجي في ورطة؟ ملا تخريف! ما الذي سيجعله في ورطة؟ تقديره و إجلاله للشعب الذي يعتبره مجرد رعايا؟ الباجي هو زعيم طبقة النبلاء في تونس وما دون طبقة النبلاء يمكن أن يكون حطب محرقة دون أن يقلق ذلك رئيسنا النرجسي الموقر. كم بقي من عمره حتى يعطي وزنا لآراء الآخرين؟ رأيه هو هو القول الحق والباقي مهاترات. وأما إن تملكته نوبة ضمير وطني فسيكتسحها بعبارته الشهيرة التي سيوجهها إلى من لا يعجبهم قراره فيقول لهم: " روحوا رهزوا " و يخلص نهائيا من الورطة


babnet
All Radio in One    
*.*.*