لعل أحداث القدس و محاولة تركيع مصلي المسجد الأقصى و تسارع أحداث السفارة الصهيونية في الأردن و استشهاد الشاب النجار والطبيب مسوّغ العمارة أدلة واضحة عن ضجر شعبي أضحى محرجا للسلط المحلية و للعالم بأسره اذ ضاع الشالوم المرجو رغم مصاريف التدخل السافر في شؤون الدول المجاورة كلبنان و مصر التي باتت بوقا مروجا للتطبيع بعد انقلاب السيسي. ماذا ربح العرب المطبعين سياسيا و أخلاقيا من اتفاقيات مؤلمة ؟ لقد علمتنا الأيام أنّ العدو الصهيوني الغاصب للأرض و لمقدساتها لا يتأرجح الى الوراء ويقبل بطاولة المفاوضات الا اذا كان مورّطا دوليا في جرائم حرب فيستنجد بأعدائه ليخلصوه بسماحتهم و سماجتهم في نفس الوقت فيتبادلون التحية والسلام وربما القبلات وأشياء أخرى ويقنعون شعوبهم أنّ زمن الحروب والانتصارات قد ولى و أنّ صلاح الدين قد دفن الى الأبد بينما لا يتورع الكيان الغاصب في إيقاد نار الحقد والبغض والانتقام لأساطير آلاف السنين وهو على تلك الحال الى يوم زواله ان شاء الله.

لن نحسم الأمر دينيا فأهل التاريخ و السيّر أعلم من الجميع بأحقية الأرض ولكن تناوله من باب حقوق الانسان التي أضحت دستورا للعالم بأسره هو المحك الذي سنستعمله لتمحيص جدوى هذه الاتفاقيات و حتمية زوالها ولو بعد حين. لاحظوا أنّ المجند الصهيوني كما المستوطن المستورد ذي الشعر الأصفر والعيون الزرقاء يقتل بدم بارد و تحت حماية مشددة من كيانه الغاصب و خارجه. يقتلون الناس لأتفه الأسباب و لمجرد الاشتباه بالطعن أو الدهس وهنا لا يفرقون بين الفتى والفتاة والشيخ و المرأة اذ يتساوى الجميع أمام رصاصة الغدر. لاحظوا ايضا أن القاتل قلّما يعرض على المحاكمة فهو البطل عندهم وان عرض فلأخذ الصور ثم يترك سبيله بعد أيام أو أشهر. يتم هذا في المستوطنات المنتشرة كما يتم في أراضي الثمانية وأربعين و السبع وستين فالأمر سواء عندهم اذ يعتبرون الأرض أرضهم والفلسطينيون مجرّد عربان تاهوا الصحراء و حان وقت ارجاعهم اليها. يتم هذا الأمر الشنيع أيضا خارج حدود الكيان الغاصب ان كانت له حدود فيقتل في مصر وفي الخليج و في الأردن و في تونس وقتما يشاء وله أن يستهدف مواقع بأسرها في العراق الجريح أو سوريا المقبورة أو السودان أو مصر أو أي مكان في العالم العربي و الاسلامي.

اقرأ أيضا: لن تكون للأقصى بوابات الكترونية

كل هذا الصلف والتعنت نابع عن عقيدة فاسدة اذ يظن الصهاينة أنّ الخالق اصطفاهم فهم شعب الله المختار وما دونهم أميون كما يدعون. هذا الاستكبار لا يمكن أن ينتمي للعالم المتقدم الذي يؤمن بالحرية و العدالة و المساواة بين بني البشر فحق الحياة و منع التمييز و التعذيب والتنكيل و ضمان المحاكمة العادلة قبل العقاب وحرية التنقل و حرية السفر و غيرها من الحقوق لا يعترف بها العدو الصهيوني للفلسطينيين بل ولغيرهم من الجنسيات المحيطة بأرض فلسطين. هنا لا يصنّف الصهاينة يهودا كما يحاول بعض نخبتنا تصنيفهم بل هم أعداء لحقوق الإنسان و غاصبون لأرض محتلة منذ ما يناهز السبعين سنة.

إنّ المستعمر لأرض فلسطين العربية لم يعد يعوّل على اتفاقيات وادي عربة و كامب ديفيد إذ يعلم جيدا أنها ترضي الحكام ولا ترضي الشعوب التي أضحت تتناول الشأن العام و الشأن الدولي بكل ثقة بل أضحت تحاول ربط الأحداث و تتسارع إلى المساندة حتى صارت دولا بأسرها تسير سير هذه الشعوب التواقة للحرية و لها رأي عام مربك لسياسات الكيان تبرع في خلقه الصحافة الحرة و القنوات الفضائية و مواقع التواصل الاجتماعي. إنّ الكيان متيقّن من قرب زوال الاتفاقيات و ربما زواله أيضا كما نحن متيقّنون بضعف الدول العربية وقياداتها و نتائج المفاوضات والاجتماعات المتكررة التي تعقدها. ستنتزع البوابات الالكترونية و تكسر كاميرا المراقبة المثبتة على مداخل الأقصى و تضيع فرصة الأزمة الخليجية على العدو الصهيوني فينحسر الى مآله الطبيعي ولو بعد عشرات السنين.